شطب الطائفة
في فصل الشتاء من العام الماضي، أعلن وزير الداخلية زياد بارود أن للّبنانيين الحرية الكاملة، إذا أرادوا، في شطب اسم الطائفة المدوّن على إخراج القيد منذ عشرات السنين. والمعروف أن اسم الطائفة شُطب منذ عام 1999 عن بطاقة الهوية. وإزاء هذا الإعلان الجريء، عمدت نخب من الشباب العلماني والمتنوّر إلى تنفيذ حكم الإعدام بحق كلمة.
من حق كل إنسان لبناني التباهي بانتمائه الديني المعيّن، والمفاخرة به، شرط عدم التفرقة والتمييز بين إنسان من دينه وإنسان من دين مغاير، كلاهما يستوفيان شروط المواطن ومواصفاته والأخلاق الحميدة والطبائع السويّة والكفاءة. ومما لا شك فيه ولا غبار عليه أن الدين يهذِّب النفس الإنسانية ويردع إلى حدّ بعيد عن ارتكاب معصية أو أطنان من المعاصي، شأنه شأن علم الاجتماع. إن من عَمَد إلى شطب اسم طائفته عن إخراج قيده هدف بالدرجة الأولى إلى تحرير وثيقته من طغيان الانتماء الطائفي والمذهبي عليها، وهو يرى أنه بجرأته تلك تكتسب هذه الوثيقة رونقاً وطنياً وحلّة تقدمية مجردة من كل أشكال التطييف والتزمّت العبثي. إن مَن عمد إلى شطب اسم طائفته عن إخراج قيده يهدف إلى إرجاع البسمة إلى أغصان الأرزة اللبنانية الموشومة على تلك الوثيقة، عبر جعلها تزدان بصور جبران ونعيمة والريحاني وشبلي الملاط وفيروز والرحابنة، وصورة كل وطني حر شريف، بعدما ازدانت لفترة زمنية طويلة بأسماء الطوائف والمذاهب التي حلّت ضيفاً ثقيلاً متزمّتاً عليها وأتخمتها بالأتراح. وعندما رفضت بعض الأطراف السياسية في لبنان تأليف الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية، إضافة إلى رفضها خفض سن الاقتراع إلى الثامنة عشرة وحرمانها الشباب اللبناني من حقه المشروع في المشاركة في الحياة السياسية اللبنانية، فضلاً عن رفضها إقرار قانون انتخابات برلمانية يعتمد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية خارج القيد الطائفي، وإقرار الكوتا النسائية وإنشاء مجلس للشيوخ...
إذا بقينا بأغلبيتنا أسرى التخلّف عن إطلاق الرصاصات الأولى على أسوار الطائفية البغيضة، تاركين إياها حيّة ترزق من قوى المصالح الشخصية أو قوى النرجسية، إنما نسهم مساهمة فعالة في بلسمة الجراح الأليمة للعدو، التي أحدثها مقاومونا الأبطال وأفراد جيشنا البواسل عبر طعناتهم الضارية والجبارة لمداميك الكيان الغاصب، ونسهم أيضاً وأيضاً ومباشرة في إضعاف مناعة المعادلة الوطنية الحريرية:
لبنان أولاً = جيش وطني + مقاومة للعدو ولكل الأحلاف الإمبريالية + شعب قوته بتصديه عبر صموده.
ريمون ميشال هنود