خالد صاغيةثمّة قوى قريبة من سوريا تذهب إليها وتعود منها لتبشّر بفوائد الاعتدال، وضرورة الالتزام بالتهدئة. وهي تقسو على أقرب حلفائها حين يخرجون عن هذا الخطاب، ويعودون إلى أحلام تحقيق الانتصارات المطلقة. وثمّة قوى قريبة من سوريا، هي الأخرى، تذهب إليها وتعود منها لتبشّر بضرورة قلب الطاولة. وهي تتصرّف كما لو أنّها تملك أمر اليوم، وكما لو أنّ حلفاءها الذين لا يشاطرونها الرأي لم يلتقطوا بعد الإشارات السوريّة الحقيقيّة.
في الخانة الأولى، يمكن وضع حلفاء سوريا الذين يريدون لمرحلة 2005ـــــ2010 أن تزول من التاريخ، وأن تعود عقارب الساعة إلى 1993 حين أعيد تركيب البلاد بعد الحرب الأهليّة، بإدارة سوريّة حازمة للتناقضات اللبنانيّة المذهبيّة والسياسيّة، بما في ذلك تقسيم العمل بين المقاومة و«الإعمار». وعلى رأس هذه الخانة، يتربّع الثنائيّ الحالم بعودة «الزمن الجميل»، أي نبيه برّي ووليد جنبلاط.
أمّا في الخانة الثانية، فيمكن وضع حلفاء سوريا الذين يريدون لمرحلة 2005ـــــ2010 أن تؤسّس للبنان مختلف يؤدون فيه أدواراً مختلفة. فالتيّار الوطني الحرّ، مثلاً، لا مكان له في لبنان 1993. وحزب اللّه يرى أنّه ليس هو من بدأ بتغيير قواعد اللعبة. فلبنان بعد القرار 1559، وبعد حرب تمّوز، لا يمكنه أن يكون هو الوطن نفسه قبل هاتين العاصفتين. وإذا كان الحزب قد عرض على سعد الحريري في مرحلة معيّنة العودة إلى تقسيم العمل السوريّ بين «الإعمار» والمقاومة، فما من أحد قادر اليوم، على ما يبدو، على إعادة المارد إلى القمقم.
سعد الحريري العائد إلى الحلف مع سوريا، يقف حائراً بين هاتين الوجهتين. وتزيده حيرةً المقارنة بين حُسن الضيافة السوريّة وقسوة الكلام التي تختلط بعسله.
يمكن الاستنتاج من هذا المشهد تهيئة مثاليّة لعودة الحَكَم السوري إلى الملعب اللبناني. حَكَم باتت الأطراف الفاعلة كلّها مجمعة عليه، ومترقّبة لصفّارته. يمكن الاستنتاج أيضاً أنّ ثمّة قوى، كالقوّات والكتائب والأمانة العامّة لـ14 آذار، باتت مستبعدة عن الملعب حُكماً لنيلها بطاقات حمراء في مباريات سابقة.
بتنا نعرف اللاعبين إذاً. بقي أن نعرف شروط اللعبة. ولعلّ هذا ما يقلق الجميع، وعلى رأسهم سعد الحريري. فالتوافق السعودي ـــــ السوري يمكن أن يضعه على رأس الحكومة كما وضع والده من قبل. لكنّ الحريري الأب حكم البلاد عبر استرضاء زعماء الميليشيات السابقين. وهو استرضاء معروفة قنواته وأدواته. أمّا استرضاء عون وحزب اللّه، فيحتاج إلى قوانين جديدة، حتّى ولو عدنا إلى اللعبة القديمة.