خالد صاغيةانتقدت كتلة «المستقبل»، أمس، المواقف التي تلت تصريحات الرئيس سعد الحريري لصحيفة «الشرق الأوسط». ووضعت الكتلة أقوال الحريري المستجدّة في سياق «الجرأة»، لا «التراجع». يبدو موقف الكتلة التي اجتمعت برئاسة «الخط الأحمر»، غريباً بعض الشيء. فأوّلاً، لا تناقض بين الجرأة والتراجع، لا بل إنّ التراجع يتطلّب غالباً بعض الجرأة. ثانياً، يمكن وضع تصريحات الحريري الأخيرة في سياق الإيجابيّة وحسّ المبادرة، لكنّ كلّ ذلك لن ينفي عنها طابع التراجع. فكلّ الحديث إلى «الشرق الأوسط» بُني أساساً من أجل التراجع عن الاتّهام السياسي لسوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن أجل التراجع عن موقف كتلة المستقبل النافي لوجود شيء يسمّى «ملف شهود الزور».
لكنّ الكتلة، على ما يبدو، أرادت الإيحاء أنّ التراجع عن تلك المواقف ينبغي ألا يُفهَم تراجعاً في القوّة والحضور السياسيّين. أي إنّ الحريري يستطيع أن يرهن البلاد خمسة أعوام كاملة تحت شعار اتّهام سوريا باغتيال والده، ويستطيع أن يحمي مَن فَبرك له شهود الزور لإثبات التهمة على سوريا، وأن يستثمر ذلك كلّه باعتلاء المنابر لبثّ الحماسة في نفوس الجماهير الغفيرة. ثمّ، بغفلة عين، حتّى لا نقول بانقشاع الغشاوة عن تلك العين، يستطيع الحريري الذهاب إلى سوريا برعاية سعوديّة ويمسح كلّ ما جرى خلال خمسة أعوام، من دون أن يخسر أيّ شيء من قوّته وحضوره السياسيّين. لا بل إنّ زياراته المتكرّرة لسوريا ستسهم في تقوية موقعه.
المنطق الكامن وراء موقف الكتلة وخطّها الأحمر، هو أنّ المحاسبة تكون داخل جدران القصور بين الرؤساء. فإذا تفاهم الحريري والرئيس السوري بشار الأسد على طيّ صفحة الماضي، تطوى الصفحة في لبنان على المستوى الشعبي والرسمي. وبإمكان الحريري العودة إلى المنابر نفسها لإلقاء الخطب (غير) الحماسيّة نفسها، لكن ضدّ عدوّ آخر يُخترَع في قريطم بإشراف مُفَبركي شهود الزور القدماء أنفسهم.
بكلام آخر، تريد الكتلة وخطُّها الأحمر وبطلُ مرجعيونِها، تحويل الشعب اللبناني كلّه وزعمائه المعارضين للحريري والمتحالفين معه، إلى «شاهد ما شافش حاجة» طوال خمسة أعوام، بعدما أريد لنا جميعاً أن نتحوّل إلى نوع الشاهد نفسه عن مرحلة خمسة عشر عاماً سابقة، بحجّة أنّ انتقاد سياسات الشهيد هو كالمشاركة في اغتياله.
يبدو أنّ كتلة المستقبل لم تنتبه بعد إلى أنّ الحريري، مع الأسف الشديد، ليس وحده من يتردّد على قصر الشعب.