خالد صاغيةقبل إنجاز استدارته، بدا وليد جنبلاط مسكوناً بهاجس بين هواجسه الكثيرة: يستطيع سعد الحريري أن يغيّر خطابه ساعة يشاء، وسيجد دائماً الملك السعودي ليوفّر له التغطية. أمّا هو، أي جنبلاط، فعليه أن يبحث عن اللحظة المناسبة كي يحصل على غطاء مماثل. لذلك، كان على جنبلاط أن يسبق الحريري. أن يفعلها هو أوّلاً حين كانت العلاقات السعوديّة ـــــ السوريّة لم تُزل عنها أكوام الجليد بعد. كان يعرف أنّ أيّ تأخير أو أيّ تسرُّع سيفقده دوره. بدأ بالسير خطوةً نحو المقاومة، ثمّ خطوتين نحو سوريا، لكنّ عينه لم تكفّ عن النظر إلى السعوديّة.
اليوم، بعدما عادت معادلة «سين ـــــ سين» القريبة من قلب الرئيس نبيه برّي لتحكم التوازنات اللبنانيّة، بات جنبلاط أكثر ارتياحاً في موقعه الجديد. وهو يستمرّ في تشجيع زميله في «ثورة الأرز»، سعد الحريري، على مزيد من التنازلات، مستنداً إلى علاقات بدأت تميل إلى الدفء بين السعوديّة وسوريا.
لكنّ ثنائيّ الثورة هذا، إذ ينتقل إلى موقعه الجديد، يترك وراءه مجموعة من الرفاق السابقين على قارعة الطريق. وهم مجموعة غير متجانسة، منها من لا حيثيّة شعبيّة له، ومنها من يملك حيثيّة لا تتجاوز حدود قريته، ومنها قوى وأحزاب كالكتائب والقوّات اللبنانيّة. رغم عدم التجانس هذا، وُجد من يضع هذه المجموعة في سلّة واحدة سُمّيت ذات يوم «مسيحيّي 14 آذار».
المأزق الذي تعيشه اليوم هذه المجموعة المعزولة أوضح من أن تمحوه بعض الخطابات المتوتّرة. أو، بالأحرى، إنّه المأزق الذي يسبّب تلك الخطابات المتوتّرة. فها هو سامي الجميّل يعود إلى خطاب «لبناننا»، تماماً كما عاد إلى الحروب العائليّة الصغيرة داخل حزبه الصغير. أمّا سمير جعجع، فبات شعاره «ثورة الأرز باقية باقية باقية». يردّدها ثلاثاً كما لو أنّ التكرار علاج للتخلّص من آلام الواقع. ويمكننا أن نضيف إلى الاثنين البطريرك الماروني الذي تذكّر فجأةً أنّ ثمّة بين أبناء طائفته من لم تأكلهم الثورات الملوّنة.
مأزق العزلة واضح ومفهوم، لكنّه لا يستوجب كلّ هذا الصراخ. لا بدّ من علاجات أخرى. فالعزلة، كما يدلّ عنوان تلك الرواية، قد تستمرّ مئة عام.