حسان الزينلا يمكن الإنسان، سواء أكان مسلماً أم مؤمناً بأيّ دين أو عقيدة، بما في ذلك الإلحاد واللاانتماء، إلّا أن يشعر بالإهانة واللااعتبار، أثناء انتظار أن «يقرّر» أصحاب الشأن موعد العيد لدى المسلمين.
مصدر الإهانة ليس الله، الذي يقبل المؤمنون مشيئته، ولا هو العلم أو القمر الذي وضع الإنسان قدمه عليه وهمّش تراث التغنّي به وقاموسه الجمالي. مصدر الإهانة أصحابُ الشأن الذين يرهنون العيد والفرحة الجماعية بأنفسهم وبنظرهم الشخصي. وهُم إذ يفعلون ذلك ويتسبّبون بتنغيص الناس وحياتهم يستحضرون طقوس الديكتاتوريين في الإمساك بالبشر وإيمانهم ويوميّاتهم ومزاجاتهم، وهم لا يحكمون على إيمان البشر بالمرور عبرهم وحسب، بل ينصِّبون أنفسهم وسطاء الله والناطقين على الأرض باسمه. وإلّا، فما سبب إصرارهم على احتكار القرار في هذا الشأن وشؤون أخرى، أو الشؤون الأخرى عامّة؟ وما سبب رفض أيّ اقتراح «علمي» يسهّل التقويم والإدراك للناس ويتيح لهم الاستقرار؟
لا سبب لتكرار حفلة التخلّف سنوياً وجعل المؤمنين يشعرون بخسارة الفرح ولغة التواصل والتعبير عن البهجة، بل وجعلهم يشعرون بالتخلّف ورسوخه والإصرار عليه وعلى رفض العلم، إلّا لأن أصحاب الشأن متشبّثون بالإمساك بحياة الناس وبالامتيازات التي يحتكرونها. لا تفسير لرفض العلم إلا التخلّف وفوائده على أصحاب الشأن. ولا تفسير لعدم الاتفاق على آلية علمية للتقويم إلّا رفض فكرة تنازل أصحاب الشأن عن امتيازاتهم لمصلحة الناس وحياتهم... وبالتوازي مع هذا رفض أصحاب الشأن توحّد المسلمين ولو في التقويم وموعد رمضان والعيد والأعياد الأخرى.
وهذا ليس أمراً عاديّاً أو صغيراً. ليس أمراً عادياً أو صغيراً تنغيص حياة الناس. وليس أمراً عادياً أن يقبل أصحاب الشأن خسارة ركنٍ من دعائم سلطتهم ونفوذهم، وهم يستقتلون للحفاظ على هذا الركن ولو قسّموا الناس وبدّدوا فرحتهم وتجديد إيمانهم بحكمة الله في خلقه.
ماذا يمكن أن يُسمّي جعل تسيير الله للوجود والكائنات لغزاً، وفي الوقت نفسه يُرفض أن تُعتمد أي طريقة لقراءة «لغة» الله إلا الطريقة البدائية؟ ما هذا التناقض!
ماذا يمكن أن يُعدّ الرد على القول، إنّ الله سخّر كل شيء لخير البشر، بتسخير البشر؟
كيف يمكن فهم وقبول الرد على حكمة الله في خلقه الوجود وتسييره أحسن تسيير بجعل رؤية هلال العيد ارتباكاً في فهم حكمة الله وحسب بل وسبباً يحول بين المؤمن وحكمة ربّه، إذ تُجعل تلك الحكمة أمراً غامضاً، أمراً عصيّاً أو غير مفهوم، بينما يُفترض أنّها في المتناول، وأنّها «تعمل» بطريقة متوازنة مستمرة ليس فيها خلل أو تغير ناتج من عطل أو فوضى وما إلى ذلك؟
لكنَّ أصحاب الشأن وهم يُعمِلون مزاجاتهم في الأمر والنهي، ويتحرّكون وفق ما تشتهيه الأنفس والانقسامات السياسية ومصالحها، ويقرّرون موعد العيد وفق «رؤيتهم»، يجدّدون نزعة إلغاء الآخر، فهم الصحيح والآخر خطأ، وهم من رأى الهلال وغيرهم استعجل أو تأخّر (هنا تغدو رؤية الهلال بديهة أو أمراً بسيطاً). والآخر ها هنا هو المختلف مذهبياً لا المختلف دينياً، فلهذا المختلف دينيّاً مناسبات أخرى للتمايز عنه وإلغائه.
إلى الديكتاتورية والتقسيم والتنغيص، ثمة نتيجة أخرى لرفض أصحاب الشأن اعتماد طريقة علمية للتقويم، ألا وهي تعميق الهوّة بين الإسلام والمسلمين من جهة، والعلم والتقدّم و«الآخرين» من جهة أخرى. تخيّل ـــــ وهذا واقع ـــــ أن رؤية القمر وتحديد حركته وموقعه مأساة تتكرر، فيما تجاوزت الأبحاث العلمية هذا من سنوات أو عقود. تخّيل ـــــ وهذا واقع أيضاً ـــــ أن أصحاب الشأن يرفضون ذلك وينصّبون أنفسهم بدلاً من العلماء. وبعد ذلك يُلام الآخر (الغرب وإسرائيل، أولاً، ثم الخصوم والأعداء من أهل البيت) على هذه الدوّامة، ويسأل المسلمون: لماذا تحصل معنا كل هذه المآسي؟ والناقص أن يسألوا: لماذا نحن متخلّفون؟
«تنعاد عليكم».