حسان الزينبمعزل عن المحكمة الدوليّة في شأن لبنان، وبمعزل عن الثقافة المؤيّدة لها والرافضة لها على حدّ سواء، ما الذي يجري في البيئة الطائفيّة التي باتت معادية للمحكمة الدوليّة، ومن خلفها «المجتمع الدولي»؟
ما جرى أوّل من أمس، في عيادة الطبيبة النسائية في الضاحية الجنوبيّة، مضحكٌ مبكٍ.
مضحك، ظاهرياً وكردّة فعل أولى، وصول فريق التحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى «مكان حساس» بالنسبة إلى تلك البيئة الناشطة في حقل التناسل والولادة إلى حدِّ التضخّم، الذي بات يثير الريبة لدى الشركاء في الوطن وبيئاتهم، إذ يشعرون بأن أبناء تلك البيئة المتكاثرين يزاحمونهم في كل شيء وفي كل مكان.
فقد أوحى الحدث بأن لجنة التحقيق تقترب من مكان مقدّس وتلاحق تلك البيئة، لا إلى سريرها وإنما إلى سرّها ووجودها والمكان الخاص الذي تبدأ منه حياتها. يا للهول.
مضحك مبكٍ أن يوصل «القدر الاتصالتي» لجنة التحقيق إلى عيادة ولادة وأمراض نسائيّة... وفي الضاحية الجنوبية.
مضحك مبكٍ أن تكون عيادة ولادة ممرَّ لجنة التحقيق إلى بيئة الضاحية الجنوبيّة ذات الكثافة السكانية التي انطلق جزءٌ منها من تلك العيادة الشهيرة. ومضحك ومبكٍ أن تبدو تلك العيادة الخط الدفاعيَّ الأول عن تلك البيئة وحقّها في الوجود والخصوصيّة. هذا مضحك ومبكٍ، إلى حد يُسأل فيه ماذا لو حققت اللجنة الدولية مع هيفاء وهبي المؤيدة للمقاومة كما عبّرت مراراً، رغم أنه لا علاقة لها ببيئة الضاحية، وربما لم تزر تلك العيادة التي يقصدها كبار قوم الضاحية.
مضحك مبكٍِ هذا. مضحك مبكٍ لا أن يُشوَّشَ على لجنة التحقيق ويعوّق عملها، إنما الطريقة التي يجري فيها ذلك، بل انعكاسات ذلك في صورة البيئة التي تشوّش وتعوّق. مضحك مبكٍ أن تُقدّم تلك البيئة صورة غوغائية عن نفسها، تارة بمسمّى الأهالي الغاضبين وأخرى تحت عباءة نسائية. ولا ندري ماذا بعد ومتى يحين موعد الأطفال. مضحك مبكٍ أن تُحرق صورة طبيب أو مهندس أو جامعي أو مزارع أو عامل أو أمٍّ أو مقاوم من أجل صورة غضب الأهالي.
مضحك مبكٍ أن تصادر لغةُ الشارع العقلَ، أن تحل الأيديولوجيا ودعايتها بدل الثقافة والأخلاق، أن يختصر حزب حتى لو كان المقاومة، بيئةً، وأن يَستخدم حزبٌ ممسوكٌ لغة التعبير العفوي ويتخفّى وراءها. مضحك مبكٍ أن يغدو الدفاع عن النفس أشبه بالانتحار وتشويه الذات. مضحك مبكٍ ألا يترك المنضبطُ طريقة تعبير للمتفلّت. مضحك مبكٍ أن تُصوَّر بيئة كاملة ومتنوعة هوجاءَ عنيفةً متخلّفة. مضحك مبكٍ ألا يبقى لنا إلا إخفاء الوجه أمام هذه المهزلة.
يخجلني أن أقول لابنتي ماذا يجري في وطني. لا يخجلني أن أشرح لها درساً في العلوم الجنسية، يخجلني أن تقصد أمها عيادة نسائية. وما يجري تعميمه هو العكس. يجري التعميم أن الدرس هو المخجل وأن عيادة الولادة هي مكان سرّي، مكان لا تُحمى أسراره من أجل الخصوصية، وهي حق، وإنما لكونها أسراراً. أسرارٌ يُدافع عنها بالدماء، وتُحرق لأجلها صورة المدافع عنها. وما دامت الحفلة لتتفيه لجنة التحقيق الدولي وعملها، ألم تفكر تلك النسوة وهن يهاجمن المحققين الدوليين في العيادة، في صورتهنّ، ألم يفكّرن في صورة النساء اللواتي يدخلن تلك العيادة لأمر طبي وبشكل عادي؟ أهنّ يرتكبن أسراراً؟ ألم تفكّر تلك النسوة بصورة البيئة وبصورة العيادة؟ ألم يفكّرن أنه قد يُقال إن هياجهنّ بسبب وجود أسرارٍ خطيرة عنهنّ وعن بيئتهن في تلك العيادة؟
مضحك مبكٍ أن يُستهان بهذا في بيئة محافظة. مضحك مبكٍ أن تغدو الولادة أمراً مخجلاً.
ربَّ قائل إن هذا ليس السبب. نعم، لكنه من الآثار الجانبيّة... الخطيرة.