إعداد وترجمة ديما شريفما هي أهداف حزب الله في أيّ حرب جديدة مقبلة مع إسرائيل؟ ما هي طموحات إسرائيل من وراء الخوض في معارك جديدة مع عدوّها اللدود على حدودها الشمالية؟ هل ستشارك سوريا ومن ورائها إيران في هذا الصراع المحتمل؟ كيف ستدعم دولتا «محور الممانعة» حليفهما اللبناني في هذه الحرب؟ وما هي تداعيات الحرب بالنسبة إلى كلّ من سيشارك فيها، بشكل مباشر وغير مباشر؟ ماذا عن القوة الأكبر في العالم، الولايات المتحدة، هل ستحاول إنهاء الحرب وما هو موقفها الأفضل في حال وقوعها؟ أسئلة حاول الباحث جيفري وايت الإجابة عنها في دراسة من ستين صفحة أعدّها عن مسار حرب مقبلة قد تقع بين إسرائيل وحزب الله، وحلفائه، دون الجزم باحتمال وقوع هذه الحرب

جيفري وايت *
شهدت الشهور الأخيرة نقاشات عدّة بشأن التوتر المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله وحلفتيه، أي سوريا وإيران. إذا وقعت الحرب فعلاً على الحدود الشمالية لإسرائيل، فستحمل القليل من التشابه مع حرب 2006، التي وقعت في لبنان. وستكون الحرب المقبلة حدثاً تحوّلياً، بل قل مصيرياً، للمنطقة. سيكون الوضع كذلك بالنسبة إلى حزب الله، وعلى الأرجح إلى سوريا، وربما إيران. وعلى الأرجح، ستخضع إسرائيل ومكانتها الإقليمية لتعديلات جوهرية كذلك. لا تقدم هذه الدراسة توقعاً بحدوث حرب، بل تكهنات لما يمكن أن تكون عليه مثل هذه الحرب. مع الأخذ بالاعتبار كلّ الاحتمالات، ستكون الحرب صراعاً كبيراً، ستخاض في مناطق واسعة من لبنان، إسرائيل وربما سوريا. ستشارك فيها أعداد كبيرة من العسكريين ينفّذون عمليات معقّدة سينتج منها ضحايا كثر (عسكريّون ومدنيّون) إلى جانب أضرار عظيمة للبنى التحتية في كلّ الدول المتورطة. رغم أهمية ميدان العمل السياسي ـــــ الدبلوماسي، فإنّ النجاح على أرض المعركة سيكون أساسياً لتحديد نتيجة هذه الحرب.
نظراً إلى المخاطر الكبيرة، سيكون القتال شديداً وسيتصاعد ويتوسّع. ستشعر إسرائيل وحزب الله بضغط كبير لربح حرب مماثلة، وهذه الحاجة ستدفع بالأعمال العدائية بين الطرفين إلى مستوى جديد، مثل جرّ سوريا إلى الصراع ودفع إيران إلى التورط أيضاً. سيكون الصراع اختباراً صعباً لصانعي القرار والمحاربين من الطرفين، وتحديداً للاعبين الأساسيين من خارج الصراع، وخصوصاً الولايات المتحدة.
هناك عدد من الظروف التي قد تسهم في إشعال صراع مماثل. قد يستنتج أحد الأطراف أنّه، ببساطة، حان الوقت للتصرف لسبب أو لآخر. قد تنشأ الحرب من حوادث عديدة، مثل عنف على الحدود اللبنانية، في غزة أو في الضفة الغربية. نشاطات أخرى قد تنتج مواقف، يؤدي التوتر المتصاعد منها، وعدم فهم نيات الطرف الآخر وأعماله، إلى تحولها إلى صراع.

المقاتلون

التهديد الحالي لإسرائيل هو، في المبدأ، تقليدي: قذيفة من حزب الله، صاروخ، ومتفجرات مضادة للدبابات. وهذه الأسلحة، عموماً، تقليدية في بنيتها وهدفها، وكذلك هو وضعها في الجيش السوري. جهزت إسرائيل قواتها التقليدية الخاصة من أجل هذا التهديد، ومن ضمنها تعزيزات جوية، أرضية وبحرية، إلى جانب قيادة وسيطرة استخبارية، إعداد القوات، دفاعات مكونة من قذائف وصواريخ، ودفاع مدني. ورغم أنّه لا يجوز التقليل من أهمية تحدّي أي حرب مع حزب الله وحلفائه، فإنّ قوات الدفاع الإسرائيلية جاهزة اليوم أكثر مما كانت عليه في 2006.
ستكون الحرب صراعاً كبيراً يخاض في مناطق واسعة من لبنان، إسرائيل، وربما سوريا
في صراع كهذا، ستهدف إسرائيل إلى تغيير المعادلة العسكرية جذريّاً، مع نتائج مهمّة تنعكس على الوضع السياسي. ورغم أنّ هذا قد لا يؤدي إلى «نصر نهائي»، فإنه سيكون على الأرجح مصيرياً في منطق العمل العسكري. ستركّز الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية على استخدام عمليات مستمرة جوية، أرضية وبحرية على نطاق واسع، للقضاء سريعاً على قذائف حزب الله وصواريخه، وتدمير قواته الأرضية في جنوب لبنان، وإلحاق الأذية بأنظمته القيادية بشكل كبير، وتدمير بنيته التحتية في كل لبنان.
ستحاول إسرائيل، على الأرجح، منع الصراع من التصاعد ليصبح حرباً شاملة مع سوريا عبر استخدام التهديدات، التجنيد، نشر الجنود، وإطلاق المواقف. لكنّها في الوقت نفسه، ستكون جاهزة لهذا الاحتمال. ستُستهدف أيّ قوات أو بنى سورية ستساعد حزب الله، وستتعرض أيّ عناصر إيرانية تساعد المجموعة للاعتداء كذلك. في هذا الوقت، ستحاول إسرائيل منع أيّ هجمات إيرانية مباشرة على أراضيها عبر التحذيرات وإعداد خطط هجوم استراتيجية، تشارك فيها قوات جوية، أرضية وبحرية.
استعدادات حزب الله لأي حرب مقبلة مصمّمة أساساً لردع إسرائيل، وتغيير ميزان القوى العسكرية لمصلحته، ودعم أهدافه السياسية. تمثّل نشاطاته الأخيرة تخطيطاً جدياً للحرب، والتأثير التراكمي لهذه النشاطات كان زيادة ثقة المجموعة وربما زيادة التآكل في الردع الإسرائيلي. كان حزب الله ناجحاً تماماً في تقويم حرب 2006، ويهدف إلى تكرار هذا النجاح في أي صراع مستقبلي.
إذا اندلعت حرب جديدة، فستتركز جهود حزب الله العسكرية على الاستراتيجيات الآتية:
ـــــ هجومياً، شن هجمات صاروخية على أهداف عسكرية ومدنية مع نية إلحاق خسائر كبيرة في الأملاك والأوراح.
ـــــ دفاعياً، الرد على العمليات العسكرية الجوية، الأرضية والبحرية داخل لبنان بأعمال عنيفة، للحد من أيّ تقدم، مع محاولة إلحاق أكبر خسائر ممكنة في الأرواح، وفي الوقت نفسه، المحافظة على قواته الخاصة.
ستحاول المجموعة أن تستمر في العمليات ما دامت هي في موقف مريح، ما يتيح لها إلحاق أكبر ضرر سياسي، عسكري، اقتصادي واجتماعي بإسرائيل.
من جهتها، ستهدف سوريا وإيران، في أقل تقدير، إلى تأمين التواصل، القيادة، السيطرة، الاستخبارات والمساعدة على إعادة التموين، في محاولة منها لإبقاء حزب الله في الصراع. ستتصدى عناصر الدفاع الجوي السوري لأيّ اختراق للمجال الجوي السوري وربما ستشتبك مع طائرات إسرائيلية فوق لبنان، نظراً إلى صغر مساحة العمليات وقرب دمشق من منطقة الصراع. خارج إطار المساندة التقليدية (نصائح، أسلحة، استخبارات)، لا يزال دور إيران المحتمل غير واضح. لكن في صراع واسع النطاق، قد تقرر طهران المشاركة بشكل أكثر مباشرة عبر تقديم مشاة مسلحين بشكل خفيف، أو قوات خاصة في لبنان، وربما دفاعات صاروخية وجوية داخل سوريا. وقد تشعر دمشق وطهران بوجود ضغط لزيادة دوريهما أثناء تصاعد الحرب، بسبب علاقاتهما والتزاماتهما مع حزب الله.
إذا تورطت سوريا مباشرةً في صراع مع إسرائيل خلال حرب في لبنان، فستكون أهدافها هي:
ـــــ الحفاظ على النظام وممتلكاته (الأمن، الجيش، الاقتصاد).
ـــــ الحفاظ على موقع حزب الله في لبنان وقدرته على تهديد إسرائيل.
ـــــ إعادة الوجود السوري إلى لبنان.
ـــــ إلحاق هزيمة بإسرائيل تكون كافية لخلق الشروط الضرورية لاستعادة هضبة الجولان.
في إيران، قد يقرر النظام القيام بخطوة أو خطوات عدّة، لتصعيد التورط في الحرب:
ـــــ تقديم السلاح إلى حزب الله وسوريا.
ـــــ تقديم المستشارين، التقنيّين، أو القوات العسكرية الخفيفة.
ـــــ القيام بهجمات على مصالح إسرائيلية (نشاطات إرهابية).
ـــــ الالتزام بمشاغبات إقليمية (زيادة التوتر في مضيق هرمز).
ـــــ شن هجمات صاروخية على إسرائيل.
في المناطق الفلسطينية، قد يحدّ قادة حماس من مشاركة الحركة في هذه النشاطات مع زيادة الخطابات المؤيدة والمساندة. في الوقت نفسه، يجب ألّا يفاجَأ أحد إن شملت أيّ حرب في الشمال «رحلة إلى غزة». قد تقرّر حماس أن تدخل الصراع بطريقة جديّة، عبر استخدام الصواريخ بكثافة وأسلحة طويلة المدى. كما أنّه يمكن أن تقرر إسرائيل إنهاء ما بدأته مع عملية «الرصاص المصهور» في 2008 ـــــ 2009.

تصعيد وشكّ

لا ينبغي للولايات المتحدة، بالضرورة، أن تتّخذ خطوات لإنهاء الحرب المقبلة بسرعة
ستمثّل الحرب التي نستعرضها هنا موقفاً خطيراً، وستدفع بها الضغوط المختلفة والديناميّات نحو التصعيد. مسيرة القتال، استراتيجيات المقاتلين الهجومية ومقارباتهم، جديّة إعدادهم للحرب، توقعهم استخدام الطرف الآخر قوة كبرى، ومزايا الاستباق المتصورة... كلّ هذه العوامل ستشجع على أن يصبح لدينا صراع أكثر جدية. ستعمل بعض العوامل لناحية تحديد الأعمال العدائية، مثل التدخلات السياسية الخارجية، احتمال الخسائر الكبيرة، أو الهزيمة الوشيكة. لكن في الميزان، الضغوط التي تدفع باتجاه التصعيد ستتفوّق على آليات السيطرة على النفس، ما سينتج حرباً سريعة مكثفة. ستظهر مرحلة خطر قويّ باكراً، حين تكون مزايا استباق خطوة على العدو أكثر ظهوراً.
سيكون صانعو القرارات في كلّ الأطراف تحت ضغط كبير للتصرف بسرعة لتحقيق أهدافهم وحماية ممتلكاتهم وشعوبهم. مما لا شك فيه، هناك العديد من الشكوك المحيطة بصراع من هذا الحجم والشكل. من هذه الشكوك قوة إرادة القادة الكبار، الطبيعة الحقيقية للعلاقة العسكرية بين حزب الله، سوريا وإيران، تأثير التدخل الخارجي قبل الصراع، الشروط التي بدأت بها الحرب وسرعتها، التصرفات العلنية تجاه القتال، احتمال استخدام أسلحة كيميائية أو بيولوجية، ودور الصدفة. هذه الشكوك وغيرها، قد تؤثر في مجرى الحرب، تطيلها أو تقصّرها، توسّعها أو تضيّق مجالها، تزيد أو تخفف من حدتها.

النتائج

إذا وضعنا الشكوك جانباً، فإنّ الخطوط العريضة التي ناقشناها سابقاً قد تكون موجودة في حرب مقبلة. سيكون صراعاً واسع النطاق، وحاداً بين إسرائيل ومجموعة من حزب الله وحلفائه، يخاض في إسرائيل، لبنان وسوريا، ويمتد أسابيع. في النهاية، ستسود الشروط الآتية:
ـــــ سيحتل جيش الدفاع الإسرائيلي بعض المناطق، قد تكون مهمّة، من لبنان، وقد يحتل غزة كلّها.
ـــــ إذا كان مسار الحرب ونتائج سيئَين، أي احتمال وجود هزائم، خسائر بشرية مهمة ودمار كبير، فسيكون هناك أزمات سياسية.
ـــــ ستبرز احتياجات فورية، منها التعاطي مع مدنيين تهجّروا، إعادة بناء وإعادة تموين القوات العسكرية، وإصلاح البنى التحتية المتضرّرة.
سيحتاج الموقف إلى قدر كبير من الوقت والاستثمارات السياسية والاقتصادية الجدية قبل أن يستطيع الاستقرار.
على المدى الطويل، الحرب التي تخيّلناها هنا قد تعيد تكوين البيئة السياسية والعسكرية للمنطقة.
ستكون بالتأكيد الحرب الأكثر جدية التي تخوضها إسرائيل منذ 1973، وهي حرب يجب على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يربحها. فنظراً إلى الأثمان السياسية، العسكرية والاقتصادية المحتملة، ستواجه إسرائيل نتائج خطيرة إذا فشلت في تحقيق أهدافها الرئيسية بطربقة حاسمة.
على العكس، إذا تصرفت إسرائيل بحسم، وكانت مستعدة لدفع الأثمان في الخسائر والضرر وحظيت بنجاح عسكري، فإنّ حرباً جديدة ستضعف أعداءها بالطرق الآتية:
ـــــ سينكسر حزب الله كعامل عسكري في لبنان وسيضعف سياسياً.
ـــــ سيضعف النظام السوري بعد الهزيمة العسكرية، وفقدان أصول عسكرية وأمنية مهمّة.
ـــــ ستصبح نشاطات إيران في المنطقة مقيّدة بعد هزيمة حلفائها، وإذا فشلت طهران في مساعدتهم خلال الصراع، فستفقد نفوذها أيضاً.
ـــــ إذا شاركت حماس مباشرةً في الصراع، فستفقد قوتها العسكرية في غزة، وعلى الأقل قسماً من قوتها السياسية.

الدور الأميركي

على واشنطن أن تهيّئ خطواتها التحضيرية الخاصة للحرب المحتملة عبر تطوير خطط ملموسة للعمل، قبل حصول هذا الصراع، وفي حال وقوع أعمال عدائية. إن وقعت الحرب، لا ينبغي للولايات المتحدة، بالضرورة، أن تحاول اتخاذ الخطوات لإنهائها بسرعة، مباشرةً بعد بدئها. فهناك عدد من الأهداف المهمّة التي ستكون على المحك في سيناريو مماثل. من هذه الأهداف، كسر قدرات حزب الله العسكرية وخفض قوته السياسية، تحرير سوريا من وهمها بأنّه يمكنها التصرف في لبنان لتعزيز مصالحها الخاصة دون أثمان مهمة، وأخيراً سلب إيران التفويض المهمّ الذي منحته لحزب الله ويمثّل عنصراً من ترسانة سياساتها الخارجية.
وحدها العمليات العسكرية الناجحة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، هي ما يمكن أن يحقق الأمر. ووفقاً لذلك، على الولايات المتحدة أن تفكر في إعطاء الجيش الإسرائيلي الوقت والمساحة السياسية التي يحتاج إليها لتحقيق هذه الأهداف. يجب على واشنطن أيضاً أن تكون جاهزة لمشاغبات إيران في الخليج العربي التي قد ترافق الحرب. يجب على الولايات المتحدة أن تُثبت أنّها ستستخدم القوة في حال الضرورة، لإحباط أي محاولة من جانب طهران لاغتنام الفرصة من الموقف الذي قد تنتجه حرب في لبنان.
لا يمكن التحقّق من موعد اندلاع الأعمال العدائية، هل سيكون قريباً أم لا، ولدى الطرفين أسباب جدية لتجنّبه. لكن إذا اندلعت الحرب مرة أخرى على الحدود الشمالية لإسرائيل، فلن تشبه المواجهة الجديدة بين إسرائيل وحزب الله لقاءهما غير الحاسم الذي حصل عام 2006. ستكون الحرب الجديدة، على الأرجح، أكبر في النطاق الجغرافي وأكثر دماراً، مترافقةً مع عمليات مكثفة منذ البداية. ديناميات القتال ستنتج تصعيداً سريعاً، وستؤدي إلى احتمال جرّ سوريا وحتى إيران.
حين تسوء الحرب عند أيّ من الأطراف، سيكون هناك احتمال حصول خسائر عسكرية وبشرية كبيرة، توقّف للنشاط الاقتصادي، وضرر للبنى التحتية.
رغم أنّه من المتوقع أن تربح إسرائيل وفق هذا السيناريو، لكنّ النصر، عند أيّ طرف، سيأتي بأثمان مرتفعة. وبالنسبة إلى الطرف المهزوم، ستكون النتائج ربما مصيرية. ففي الوقت الذي يبدو فيه أنّ رادع الحرب يضعف، تستعد إسرائيل وحزب الله من أجل مواجهة جدية لا يستطيع الطرفان أن يتحمّلا الخسارة فيها.
* عن «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»