حسان الزينصدر القرار الظنّي في موضوع ملكية المؤسسة اللبنانيّة للإرسال، وقد «اعتبر» أنها للقوّات اللبنانية وأن مديرها العام، بيار الضاهر، أساء استعمال الأمانة.
انتصر العدل لشرعية الحرب والميليشيات التي كانت سائدة قبل صدور قانون الإعلام المرئي والمسموع أواسط التسعينيّات، ونُظِّمت من خلاله القنوات التلفزيونية وفق قواعد المحاصصة المذهبيّة. أحسب أن ذلك مخالف للقانون الذي طوى صفحة ما قبله وتعامل مع اللحظة السياسية التلفزيونية بناءً على المستندات التي قُدّمت إلى الجهات الرسميّة المعنيّة. ولم تطعن القوّات اللبنانيّة بذلك في حينه، ولا سيما أنها كانت حزباً منحلاً، بل وكانت مستفيدة من هذا الخيار الذي جعل المؤسسة «ملكاً» لبيار الضاهر وشركائه، ووفّر للقوات الاستمرار في المؤسسة من خلال عدد من الموظفين، والبقاء في الأخبار والبرامج والإعلانات.
لم تكن السلطة السياسية في البلاد آنذاك لتُبقي على المؤسسة اللبنانيّة للإرسال لولا أنها كانت للقوات اللبنانيّة، قانونياً على الأقل. هذا مَعيب، لكن هذا ما حصل. وهذا ليس تبريراً لكنه قانوني. ومعظم ما مورس في تلك الحقبة ينطبق عليه هذا التوصيف.
ولم تكن المؤسسة اللبنانيّة للإرسال لتستمر لولا أن القوّات لم تلجأ إلى «نقل» الملكية بحسب رواية القوات، أو «بيع» المؤسسة إلى بيار الضاهر، بحسبه. وفي الوقت نفسه لم تكن المؤسسة لتستمر لولا ما فعله بيار الضاهر، أولاً في حمايتها قانوناً، وثانيّاً سياسيّاً من خلال تدوير الزوايا والعمل السياسي، الإخباري والبرامجي، بذكاء مهني جعل المحطة تمشي بين النقاط. ولم تعترض القوّات على هذه السياسة التي هادنت السلطة أحياناً وطبّعت من بعض أركانها وعناوينها أحياناً أخرى. ولم يكن للمؤسسة اللبنانية للإرسال أن تدخل السوق لو لم تفعل ذلك.
مهّد هذا، ليس إلى انفكاك المؤسسة علناً عن القوّات اللبنانيّة وحسب، بل إلى الذهاب إلى السوق بعقل السوق. وكان بيار الضاهر وتوأمه الإعلاني أنطوان الشويري، ومعهما القوّات اللبنانيّة سواء أكان في المؤسسة أم خارجها، يدركون أن ذلك يتناقض مع حزبيّة المؤسسة. والجميع رضي وإن كان لكل منهم مصالحه وحساباته ومآربه. نترك العتب لهم.
السؤال اليوم هو إلى أي مدى يحق للقانون أن ينقلب على نفسه وينتصر لمرحلة تعطيله وشرائع الميليشيات؟ وإلى أي مدى يحق للقانون تشريع ألاعيب التحايل على القانون؟ أما أمر سوء استخدام الأمانة، وهو من الشيم الحميدة للميليشيات فلماذا نفاجأ، فهو شأن أخلاقي قبل أن يكون قانونياً، وخصوصاً أنَّ الحكاية تقول إن الملكية انتقلت من القوات إلى بيار الضاهر قبل قانون الإعلام المرئي والمسموع.
بناءً عليه، وبالرغم من احترام لجوء القوّات اللبنانيّة، وهي نفسها الميليشيات المؤسِّسة، إلى القضاء، فإنه ليس المرجع الوحيد المخول بتّ الأمر. الأخلاق والسياسة والمال والعمل الفضائي والإعلاني مراجع أخرى. وبيار الضاهر في هذه المراجع لم يسئ إلى الأمانة. يُقال هذا من باب الإنصاف، بمعزل عن المجريات القانونيّة والأبعاد السياسيّة.
بيار الضاهر أنشأ مؤسسة «ناجحة» بقواعد السوق، وأنجز ما يتجاوز قدرة حزب على إنجازه. وليس من الإنصاف الآن سلبه ما قام به وتحويله إلى سارق، ولا من العدل الاستيلاء على ملكية الآخر ولو بالقانون. وتقول المعلومات في هذا الإطار، إن بيار الضاهر لم ينفِ حق القوّات اللبنانيّة في أجزاء من المؤسسة التي كبرت عما كانت عليه أثناء ملكية القوّات لها وانتقالها إليه.
لكن، يبدو أن المعركة ليست قانونيّة وعلى الملكيّة وحسب. وإلّا، لكانت القوّات قد «تواضعت» ونالت «حقّها». المعركة سياسية، والقوّات لم تنفِ ذلك. القوّات لا تريد الدجاجة التي تبيض ذهباً وحسب، بل تريد أيضاً الفضاء الذي تحتلّه المؤسسة اللبنانية للإرسال. تريد جسراً إلى الخليج وموطئ قدم مالياً ـــــ إعلانياً ـــــ سياسياً هناك، وتريد المؤسسة التي أوصلها بيار الضاهر وأنطوان الشويري وشركاؤهما إلى ما هي عليه، وتريد أن تُبعد «شركاء» بيار الضاهر، وهم في الغالب خصومها في السياسة وليسوا من حلفائها في الخليج ولبنان.
القوّات، في ظل عجز قناة المستقبل عن أن تكون صوت لبنان في الخليج وصوت الخليج في لبنان، تسعى هي، للقيام بهذا الدور من خلال المؤسسة اللبنانية للإرسال.