وائل عبد الفتاحأبو مازن يشكو. لماذا؟ لأن الطرق مسدودة. ومتى كانت الطرق مفتوحة؟ أبو مازن ركب الأمواج العالية. مع أولمرت نسي المستوطنات واتفق تحت الطاولة على الاكتفاء بـ ٣٠٠٠ مستوطنة سنوياً. ومع موجة أوباما، التحق بأجندة تجميد الاستيطان، ومن أجل استمرار «السلطة» أيضاً جلس في مفاوضات بلا أفق، وتعلق بالأجندة التي تراجع عنها أوباما نفسه، وهو الآن وحيداً يبحث عن أجندة يتعلق بها، أو على خط يخرج منه الى طريق جديد يحافظ به على «السلطة»، ولا شيء غير السلطة. أبو مازن يفكك القضية والدولة من أجل تقوية سلطته أو نظامه.
وهو ما يفعله نظام مبارك، بطريقة ملهمة لدول عربية تمر بأزمات في الحكم. المالكي في إيران ليحصل على «إشارة اطمئنان» تؤكّد رضى طهران عن وصوله إلى تأليف الحكومة.
عبور المالكي بوابات الإقليم الرئيسية، أهم من الديموقراطية وبناء الدولة في العراق.
المهم النظام، والتحكّم عن بعد في مقاعد السلطة. الحريري في بيروت حصل على دعم من القاهرة، والمهم أن يتوازن مع حزب الله، الذي شحن بطارياته بزيارة أحمدي نجاد.
الدولة في لبنان تضعف أكثر، بينما تقوى الطائفة والحزب والوكيل الإقليمي.
السودان مرشح لانقسام تاريخي، سيُحدث تصدعاً قوياً في تركيبة دول القارة (أفريقيا) والمنطقة (الشرق الأوسط). النظام سعيد ويشعر بقوة السيطرة بعد إعادة انتخاب البشير والقاهرة تدعمه أيضاً بنصائح وزيارات على مستويات أعلاها لمدير الاستخبارات اللواء عمر سليمان، المسؤول منذ فترة ليست قصيرة عن ملف السودان.
بماذا تنصح القاهرة الحلفاء؟ أو طالبي السماح الإقليمي؟
هل تنصح باتّباع موديلها في صناعة نظام يمتص دولة، أم باعتماد السياسة التى وصّفها تقرير صدر حديثاً تحت عنوان «تطور الأوضاع الديموقراطية في مصر». التقرير شرح الوضع «باستمرار تدهور مؤسسات الدولة ومظاهر الفوضى والعشوائية، التي قد تؤدي إلى انتشار العنف والأزمات الاجتماعية، التي تنشأ بسبب عجز الدولة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات، إضافةً إلى تزايد حجم الاحتجاجات العشوائية غير السياسية، وتكرار نمط المصادمات الطائفية والفئوية».
التقرير يؤكد أن الانتخابات ليست «آلية لتداول السلطة أو ترسيخ الديموقراطية». لم تعد الدولة تبني قواعدها لكنها تكرس سطوتها وسطوة رجالها باستخدام وسائل قاتلة: التزوير والبلطجة والتحايل بالقانون على عدم تنفيذ القانون.
رموز السلطة تقابَل بالخصومة من قطاعات المجتمع، والدولة أصبحت أداة ترويض للمجتمع، لا إدارة للعبور من نفق فشل دول ما بعد الاستقلال.
النظام في مصر يفخر بالدخول إلى العالم، أو إلى منظماته المالية. صحيح أنها من بوابة المصالح العليا للدول والشركات الكبيرة، لكنه اتصال بالعالم يراه النظام علامة نجاح.
العالم من جهته أصبح داعماً وسانداً لعملية التهام الدول لمصلحة كيانات أصغر. الدعم شبه مطلق لأنظمة وأحزاب أو طوائف أكلت دولها. والمجتمعات تدفع أثمان الاستقطاب بين أكلة الدول وجماعات مقاومة صغيرة تريد دولاً حقيقية، تقدم خدمات أولية (تعليم، صحة، طعام ). الاستقطاب يقود إلى أزمة العنف المؤجل في كل دولة.
انتظار العنف في القاهرة وبيروت والخرطوم وفلسطين طبعاً، يبدو كأنه قدر تسير إليه المجتمعات عمياء، وراء أشباح دول قادت جمهورها إلى الحائط المسدود.
الجمهور لا يزال ينتظر دولة، لم تعد سوى نصب لكوابيس الفرد العادي أو لترويض العنف ليصبح عنفاً ذاتياً، لا عنفاً موجّهاً للأنظمة أو للحكام أو لزعماء الطوائف.
التهديد بالعنف يقود إلى توازن مدهش، مع أحلام «أكلة» الدول، يدعمهم دعماً سرياً، لأنهم (الأكلة) يصبحون رقم التوازن الصعب مع عنف فوضوي، يحوّل الشوارع إلى ساحات حرب أهلية، والتهديد بالحرب أو بفوضاها أقوى تأثيراً من وقوعها، وبسحر التأثير هذا يبدو أن المنطقة كلها مقبلة على تسويات ترسمها مصالح «أكلة الدول» ومن يتحالف معهم.