خالد صاغيةالحرب الأهليّة على الأبواب... ثمّة انقلاب تهيّئ له المعارضة... القرار الظنّي سيتسبّب بفتنة يعرف الجميع متى تبدأ، لكن ما من أحد يعرف متى تنتهي... بعدما تَلَبْنَنَ العراق، جاء دور عَرْقَنَة لبنان... البلد لا يتحمّل حلقة تلفزيونيّة... إنّه فيلم 1975 يُعاد عرضه الآن... أمر اليوم لدى جميع الأحزاب: العودة إلى التسلّح...
تختلف أساليب التعبير، لكنّها كلّها تتحدّث عن مخاوف واحدة. وهي تجد أرضاً خصبة في نفوس اللبنانيّين، الذين ما زالت ذكرى الحرب الأهليّة طريّة في أذهانهم. ذكرى لم تساعد على محوها حقبة «السلم الأهلي»، وأعادتها فجأةً إلى السطح الاغتيالات المتتالية منذ 2005، ثمّ دمار حرب تمّوز، فأحداث الجامعة العربيّة و7 أيّار.
لكن كلّ هذا الخوف يستدعي سؤالاً أساسياً: ما هما المشروعان السياسيّان اللذان يتنافسان في لبنان؟ فحتّى النزاع الطائفيّ يتطلّب طربوشاً سياسيّاً ما.
في 2005، كانت الصورة أوضح. كانت مفاعيل 11 أيلول لا تزال سارية، والمشروع البوشيّ مُكمِلاً طريقه. يومها، راج الحديث عن «الشرق الأوسط الكبير» ثمّ «الشرق الأوسط الأكبر»، قبل المضيّ في صناعة «الشرق الأوسط الجديد». كانت ثورة لبنان الملوّنة جزءاً من هذا المشروع في مواجهة الضفّة الأخرى التي كان لبنان ينتمي إليها، والتي تجاهر بتحالفها مع سوريا المتحالفة بدورها مع إيران. الضفة التي لا ترى تحريراً للأراضي المحتلّة ولا سلاماً في الأفق من دون تعزيز قوى المقاومة المسلّحة.
في ركب الصناعة الأميركيّة الجديدة، التحق مَن رأى مصلحته تتقاطع مع المصلحة الأميركيّة. هكذا وُلد القرار 1559، وهكذا خرجت إلى الشوارع طوائف 14 آذار وجماهيرها. كان الشعار الاستهلاكي: بناء الدولة. المشروع السياسي المتلطّي خلف ذاك الشعار: نقل لبنان إلى الضفّة الأخرى. الوسيلة لتحقيق ذاك المشروع: المحكمة الدوليّة.
مأساة اليوم هي أنّ الممارسة الحكوميّة منذ 2005 أسقطت الشعار الاستهلاكي الذي لم تبقَ منه سوى مليارات ضائعة تُسأل عنها «المسكينة» ريّا الحسن. المشروع السياسي تبخّر مع رحيل المحافظين الجُدد من البيت الأبيض. وكلّ ما بقي «محكمة دوليّة» فقدت معناها في غياب المشروع الأصليّ.
لم يبقَ على المسرح إلا الدمى، وشدّ خيوط لتوزيع الحصص داخليّاً وإقليميّاً. مشهد لا يستحقّ حرباً أهليّة!