فالقرار الاتهامي بات معروفاً في ختام عمل هيئة تحقيق حكمت «مهنيتها» القانونية قواعد «مجلس الأمن» في ثلاث: 1– لا يمكنها التحقيق أو حتى الاشتباه في أيٍّ من أجهزة دول «مجلس الأمن» والأجهزة الملائكية الأخرى التي ترعاها دول يحق لها الاستناد إلى سلاحها النووي في «الحكم الدولي الرشيد» 2– التنسيق والتعاون مع أجهزة دول «مجلس الأمن» والأجهزة الأخرى «ذات الصدقية الأمنية الدولية» مثل إسرائيل: في التقنيات وفي جمع المعلومات وتحليلها، وفي المهمات الاستخبارية... (فهيئة التحقيق مرغمة على ذلك بحكم الأمر الواقع حتى إذا كان قضاة التحقيق من الملائكة). 3– عدم المسّ بمصالح دول «المجتمع الدولي»، التي تعلو بحكم قواعد الدول ذات سيادة، على القوانين الدولية وعلى قوانين القضاء في كل من دول «مجلس الأمن» حين تتهدد مصالح الدولة. وبقطع النظر عن كفاءة قضاة التحقيق وضميرهم المهني، فإن بناء المحكمة (لا سيما في هيئة التحقيق) تحت سلطة «مجلس الأمن» وحده، من دون توازنه مع قضاء لبناني فاعل يفرض التوازن في مسارات التحقيق، يؤدّي لا محالة إلى انحراف التحقيق حسب أهواء مصالح دول «مجلس الأمن». ولا غرابة ومصالح دول «مجلس الأمن» على ما هي عليه من توافق ضد إيران، أن يصدر قرار هيئة التحقيق على «العناصر الإيرانية» في حزب الله فيصيب عصفورين بحجر واحد. والقرار العتيد، على ما باتت تفاصيله معروفة في أجهزة دول صاحبة السيادة على «التحقيق الدولي»، يستند إلى «قرائن وأدلّة جرمية» لا إلى اعترافات المتهمين أو إلى شهود في الجرم. فهذا الأمر كان يتطلب منحىً آخر من التحقيق يفتح كل المسارات عساه أن يبلغ مبتغاه بمعجزة، على ما دلّت تجارب التحقيقات في الجرائم السياسية الكبرى التي وقفت في وجهها دوماً «مصالح الدولة» (من اغتيال جان مولان والمهدي بن بركة في فرنسا إلى اغتيال كندي وأولف بالمه..) لكن القرار الاتهامي هو غاية «مجلس الأمن» ومبتغاه في إعلان الحرب على المقاومة، تعويضاً عن حرب عسكرية وتمهيداً لحرب في الوقت نفسه. ولا تستطيع المقاومة غير العمل على تعطيل صدور قرار إعلان الحرب في «مجلس الأمن» إذا تسنّى لها ذلك، والعمل كذلك على تعطيل القنابل الموقوتة التي يؤدي إليها صدور القرار في لبنان والعالم العربي.
ومن المستبعد جداً نجاح المقاومة في تعطيل قرار إعلان الحرب في «مجلس الأمن». فهو شأن استراتيجي جيو – سياسي مرتبط بما يسمى «نبذ العنف»، وحماية أمن إسرائيل، ومرتبط كذلك بالتحولات الإقليمية وأثرها على ستاتيكو النظام الدولي – الإقليمي المأزوم.. لكن العمل على تعطيل القنابل الموقوتة التي يسعى القرار إلى تفجيرها في لبنان والمحيط الإقليمي ممكن، بل هو في متناول اليد لقلب ضغط البخار في اتجاه مصدرها في «مجلس الأمن»، بشرطين: أ – مقاربة قرار إعلان الحرب على مستوى تعقيد خطة «مجلس الأمن» وأدواته في مشروع سياسي متكامل مقابل مشروع سياسي متكامل. ب – مجابهة إعلان الحرب تحت العنوان نفسه الذي اختاره «مجلس الأمن» مسرحاً للحرب في «كشف الحقيقة ومعاقبة المجرمين». فالمقاومة مستهدفة معنوياً وجسدياً في قرارإعلان الحرب، لكن هذا الاستهداف المعنوي والجسدي ليس غاية بذاتها، بل هو محاولة إزالة سد منيع أمام زحف دول «المجتمع الدولي» على حقوق ومصالح لبنان والمحيط الإقليمي، لصالح «أمن إسرائيل» والستاتيكو الدولي – الإقليمي في: 1– فرض انتداب «المجتمع الدولي» على السياسة الخارجية، والسياسة الدفاعية، والسياسة الاقتصادية – الاجتماعية. 2 – احتلال فراغ مؤسسات «الدولة» في لبنان والمحيط الإقليمي، والعمل على تقديس الاحتلال بصفته «العبور إلى الدولة» وسيادتها. وفي هذا السياق من المهم نجاح المقاومة في إدارة معركة تعطيل قرار إعلان الحرب وتعطيل القنابل الموقوتة التي يعمل على تفجيرها، دفاعاً عن النفس. لكن الأهم نجاحها في مسار تعطيل احتلال «المجتمع الدولي» فراغ مؤسسات «الدولة»، دفاعاً عن الحقوق والمصلحة العامة، ودفاعاً عن النفس في إثر الدفاع عن الحقوق.
لقد نأت المقاومة بنفسها طويلاً عن «التدخل في الشؤون الداخلية». ونجحت حتى انقلاب السلطة من تحت دلف الوصاية السورية إلى تحت مزاريب انتداب «المجتمع الدولي» عام 2005، في الحفاظ على استراتيجية «كل الجهود نحو العدو الصهيوني». لكن هذه الاستراتيجية باتت بعد انتداب «المجتمع الدولي» على السلطة، عبئاً على استراتيجية المقاومة. وباتت خطوط المواجهة السياسية في «مجلس الأمن» عبر انتدابه على السلطة التي تتبنى خيارات «المجتمع الدولي». وقد جرّت هذه الخيارات السياسية وراءها نصف الناس لأسباب متداخلة شأنهم شأن باقي خلق الله في هذه المعمورة الذين ضاقت فيهم حيلة التحرر من جور منظومة «المجتمع الدولي». وقد نأت المقاومة بنفسها «عن التدخل في هذه الشؤون» إلّا ما ندر في دفاعها عن النفس. ولم تعمل على صوغ خيارات سياسية بديلة لخيارات «المجتمع الدولي» تحفظ لكل الناس حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية.. في مصلحة عامة (دولة الحقوق) بعد تضحيات جمّة حفظت لهم الحقوق الوطنية. بل إن المقاومة لم تعمل خلال خمس سنوات على وقف التطاول عليها في هرطقة «العبور إلى الدولة» التي تتزين فيها أمام الناس قوى سلطة «إنكشارية» جعلت مؤسسات «الدولة» مزرعة خاصة، وما زالت تتباهى بإعادة انتداب «المجتمع الدولي» إلى ما تركته السلطة أثراً بعد عين في هيكل كان يشبه الدولة.
القرار الاتهامي هو غاية «مجلس الأمن» ومبتغاه في إعلان الحرب على المقاومة
البراغماتية المفرطة في إدارة عملانية للدفاع المشروع عن النفس هي جزء من المعركة السياسية في موازين السلطة. لكن هذا النوع من المعارك السياسية هو احتراب دائم في السلطة يتجدد على الدوام في «صيغة لا غالب ولا مغلوب». ما يمكن أن يكسر الحلقة المفرغة في احتراب السلطة، معارك سياسية لتحرير مؤسسات «الدولة» من انتداب «المجتمع الدولي» وملحقاته.
* كاتب لبناني