خالد صاغيةفي سياق نشرة أخبار «أو. تي. في» الخميس الفائت، عرضت المحطّة التلفزيونيّة شريطاً مدّته دقيقة ونيّف عن زيارة العماد ميشال عون إلى دير مار أنطونيوس في بعبدا، التي جاءت بعد جلسة حوار في الجامعة الأنطونيّة. الزيارة إلى الدير تضمّنت حفل غداء شارك فيه بعض نوّاب عون وأساتذة من الأنطونيّة، إضافة إلى رهبان الدير طبعاً. أمّا المشهد الذي عُرض على الشاشة، والذي توجد نسخة منه على موقع «يوتيوب» (www.youtube.com/watch?v=E_-dv4YM5FU)، فيظهر الحاضرين يشربون نخب لبنان ويرفعون كؤوس النبيذ عالياً، فيما ينشدون لفيروز. ونرى عون يغنّي واقفاً ومتأثّراً، وكذلك يفعل الرهبان المحيطون به: «بمجدك احتميت، بترابك الجنّة، عَ إسمك غنّيت عإسمك رح غنّي، وإحمل بإيدي كاسك المليان، وإرفعو لفوق... لفوق... لمطرح اللي بيوقف الزمان... وإسكر بإسمك مجد يا لبنان»!
بعد ساعات من هذا الغداء، كانت فيروز نفسها تطلق ألبومها الجديد في مجمع «البيال» في وسط بيروت، حيث أحيت أمسية غنائيّة هي الأولى لها منذ سبعة أعوام. الأمسية ـــــ الحدث ترافقت مع الأمل بأن يكون صوت فيروز موحِّداً للّبنانيّين الذين باتت إجماعاتهم تضيق يوماً بعد يوم.
المناسبتان، رغم التفاوت الكبير بينهما، ورغم الفرح الذي عمّ كلّ من شارك فيهما، تثيران حزناً عميقاً. فالاحتفال بفيروز وبأغانيها الجديدة في «البيال»، كما رفعُ نخب لبنان على وقع أغانيها في دير مار أنطونيوس، يبدوان أقرب إلى إعلان الحداد على بلاد كانت هنا ذات يوم، وعلى «أيقونة» حاولت المستحيل لتخلق وطناً من لا شيء.
هكذا يودّع الرهبان الوطن الذي ارتبط بطائفتهم يوماً، ليصبح مصيره مجهولاً، وفي أفضل الأحوال معلّقاً بانتظار صراعات الطوائف الأخرى العاجزة عن القيام بدور الوريث. كلمة عون في الأنطونيّة كانت معبّرة في هذا السياق. فالجنرال المبشِّر باستعادة الدور واستعادة الوطن، قال كمن يعزّي نفسه والآخرين: «قيمتنا ليست في عدد الدبابات التي نملكها، بل في عدم خوفنا من عدد الدبابات (اقرأ: من حزب اللّه). قيمتنا ليست في كثرة المال الذي نملكه، قيمتنا في عدم وقوعنا في إغراء المال (اقرأ: في إغراء الحريريّة)».
صحيح أنّ عمل فيروز الجديد حمل عنوان «إيه في أمل»، لكنّ الحنين الذي لا شفاء منه لدى سماع أغنية «حمرا سطيحاتِك» يكفي لتذكيرنا بأنّ الماضي قد مضى.
«في أمل إيه في أمل»... لكنّه «أوقات بيطلع من ملل».