خالد صاغيةانجرّ تيّار «المستقبل» إلى لعبة «مكافحة الفساد». فبعد فتح ملفّات عدّة له من العيار الدسم، وعلى رأسها أرقام الموازنات، شنّ «المستقبل» حملة مضادّة هي أقرب إلى المادّة الفكاهيّة. وكان «المستقبل» قد بدأ دفاعه عن المرحلة السابقة عبر استدعاء «قدسيّة» رفيق الحريري و«طوباويّة» فؤاد السنيورة، لكنّه اكتشف، على ما يبدو، أنّ هذا التكتيك لم يعُد يُجدي ما دام تمثال الرئيس المغدور في عين المريسة لم يرشح زيتاً بعد، فانتقل إلى تكتيك آخر يعمد إلى مواجهة الخصم بسلاحه نفسه. فعمد إلى التفتيش عن ملفّ من هنا، ورشوة من هناك.
مشكلة هذا التكتيك الأخير أنّه لا يلغي اتّهام «المستقبل» برعاية الفساد وممارسته. فإذا كانت المعارضة السابقة متواطئة أو فاسدة هي الأخرى، فهذا لا يعفي «المستقبل» من مسؤوليّته. لكنّ المشكلة الأكبر هي أنّ «المستقبل» يتناسى أنّ جزءاً كبيراً من المعارضة كان بعيداً من السلطة، سواءٌ طوعاً أو قسراً، فيما كان «المستقبل» لا يمتلك سلطة اتخاذ القرارات العاديّة وحسب، بل يقوم أيضاً بإعادة هيكلة شاملة للاقتصاد ولفضاء العاصمة كذلك.
كان يمكن «المستقبل» أن يستغلّ نقاط ضعف المعارضة السابقة. فهي، لسبب مجهول، لا تركّز على طبيعة السياسات الماليّة والضريبيّة التي أعادت توزيع الثروة لمصلحة حيتان المال في عمليّة نهب منظّم وقانونيّ، وتكتفي بفتح ملفّات فساد وهدر وسوء استخدام للنفوذ. وإزاء ذلك، كان يمكن «المستقبل» التحدّث عن الفساد الذي لا بدّ منه لتحقيق الإنجازات في ظلّ إدارة مهترئة وبيروقراطيّة بليدة. إنّه الفساد المنتج أو المفيد.
لكنّ الغريب أنّ هذه النظريّة بالذات هي التي تثير حنق «المستقبل» أكثر من غيرها. وما زال الجميع يذكر مؤتمر الجامعة الأنطونيّة عن الرئاسة الثالثة، يوم استشهدت إحدى الأكاديميّات في الجامعة بورقة بحثيّة عن الفساد المفيد الذي اتّبعه رفيق الحريري في لبنان، فما كان من رئيس الحكومة إلا أن سحب رعايته للمؤتمر، وانسحبت شخصيات «المستقبل» منه، ولم يتورّع وزير الإعلام عن تأنيب الأستاذة الجامعيّة على ما اعتبره «إثارةً».
لقد باتت الصورة التي جرى ترويجها عن رفيق الحريري ثقيلة على «المستقبل» نفسه. لكن، ما العمل ما دامت الجماهير مصرّة على تنظيم الاحتفالات «العفويّة» بعيد ميلاده؟