خالد صاغيةفي الخطاب الرسمي لـ14 آذار، يطلب هذا الفريق من اللبنانيّين أن يتناسوا كلّ الخصوصيّات المتعلّقة بوضع لبنان في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وبوضع الجنوب المعرّض في أيّ لحظة لحرب إسرائيليّة، ووضع الأراضي اللبنانية التي لا تزال إسرائيل تحتلها، ووضع الجيش اللبناني الذي لا يجد من يقدّم له مساعدات عسكريّة نوعيّة... المطلوب إهمال كلّ ذلك مقابل التمسّك بمبدأ «احتكار العنف» كما عرفته وطبّقته دول غربيّة كثيرة. وفقاً لـ14 آذار، هذا هو باب العبور إلى الدولة الذي لا يمكن استبداله بأيّ شبّاك، حتّى ولو كان شبّاك المقاومة أو الدفاع عن لبنان. الدولة، ثمّ الدولة، ثمّ الدولة. هكذا يمكن اختصار أدبيّات «ثورة الأرز».
يمكن أيّ لبنانيّ ساذج أن يصدّق هذا الشعار، وأن ينتمي لفريق «انتفاضة الاستقلال»، وخصوصاً أنّ اللبنانيّين عانوا كثيراً ـــــ ولا يزالون ـــــ من غياب الدولة. اللبنانيّ الساذج نفسه مستعدّ لغضّ الطرف عن قادة الميليشيات الذين بنوا مجدهم على أنقاض الدولة، والذين يبشّرون بها الآن فوق جثث ضحايا الحرب الأهليّة ودموع أهالي المخطوفين الذين ما زالوا مجهولي المصير. واللبناني الساذج نفسه مستعدّ لتناسي الخطاب التقسيمي الذي حمله وقاتل في سبيله بعض رموز 14 آذار. واللبناني الساذج مستعدّ لسدّ أذنيه عن الدعوات الفدراليّة الصادرة عن هذا الفريق السياديّ. واللبنانيّ الساذج نفسه مستعدّ لطرد كلّ الأفكار الشريرة حول التناقض بين الدعوة إلى بناء الدولة والإمعان في نهب مواردها والسعي إلى بيع ممتلكاتها في سوق الخردة. واللبناني الساذج نفسه مستعدّ لوضع يديه على أنفه حتّى لا يشمّ رائحة الصفقات المشبوهة والسياسات المنحازة لمصلحة الأثرياء، التي يبرمها ويدافع عنها أنصار الدولة.
اللبنانيّ الساذج مستعدّ لتجاهل أمور كثيرة، وخصوصاً أنّ سذاجته تزداد كلّما ازداد خوفه. وكلّ ذلك من أجل بناء الدولة والعبور إلى الدولة والعيش في كنف الدولة. لكن ما العمل إذا كانت «حركة بناء الدولة» يتزعّمها «رجل دولة» لا يتورّع عن تهديد أحد وزرائه لأنّه تحدّث عن ضغوط تمارَس على لبنان، ثمّ يرسل ألسنته الكثيرة لتطالب ذاك الوزير بالاعتذار!
أنقِذونا من «الوَلْدَنة» أوّلاً، حتّى نتمكّن من الحديث... عن الدولة.