انطباعات اليوم الأوّل
هو اليوم الأول في حياتي الجامعية، أنتقل فيه إلى مرحلة جديدة أوسع أفقاً وأكبر تبعاتٍ ومسؤوليات... هو اليوم الأول في حياتي الجامعية، حيث كَثُرت الانطباعات الأولى «الغريبة» لطالب حريص كل الحرص على الصرح الجامعي الذي يتلقّى العلم على مقاعده الدراسية.
كان عميد شؤون الطلاب كثير التركيز على عدم التطرُّق إلى مواضيع سياسية ودينية وطائفية في الجامعة، معتبراً أننا في جامعة علمانية بعيدة كل البُعد عن النعرات والانقسامات الطائفية والسياسية في لبنان. غريب! وهل مفهوم العلمانية الذي يعني بكل وضوح إبعاد الدين عن الدولة والسياسة، أصبح اليوم عبارة تستخدمها الجامعات لقمع الحريات؟ أليس الصرح الجامعي مكاناً للحوار وللبحث عن الحقيقة؟ أليست الجامعة موئل العقل والعلم وسموّ الفكر والعمل؟ ألسنا هنا، وهنا بالضبط، لنرقى ونسمو معرفةً وسلوكاً، ومن ثم حضارة؟
كذلك كان كل محاضر يطلب من طلابه عدم التحدث في السياسة، نظراً إلى حساسية الأوضاع القائمة حالياً في لبنان. حتى إن مُحاضِرة رفضت أن نسألها: «من أين أنتِ؟» أو ما أسماء أولادك؟»، كي لا نعرف انتماءها الطائفي!
وما هو الانفتاح إذاً؟ أليس أن أكون كتاباً مفتوحاً أمام المواطن الآخر، ويكون هو كذلك؟ أليس الانفتاح أن يعطيني حقي في الاختلاف وأعطيه حقه في ذلك؟ أليس الإنسان عدوّ ما يجهل؟ وأزيد، وربّما عدوّ مَن يجهل؟ فكيف إذاً يُنكَرُ علينا أن يعرف بعضنا بعضاً؟
لا نتحدث في الأمور السياسية؟ عجبي! إذا كنّا كطلاب علاقات دولية وعلوم سياسية لا نتحدث في هذه الأمور، فمَن الذي يتحدث فيها إذاً؟
صحيح، نحن نعاني من أمراض اجتماعية وسياسية وسلوكية، والدليل أنني في اليوم ذاته سمعت أحد الزملاء يقول للآخر: «جاييني من حارة حريك يحكي إنكليزي؟!...»، ألا ينطوي هذا الكلام، على ما فيه من «نكتة»، على مضمون عنصريّ؟ هل الرطانة بالإنكليزية وقفٌ على منطقة أو فئة من دون أخرى؟
ولا يسعني أن أنسى، حيث إنه من الضروري أن يكون في كل جامعة هيئات مُنتخَبة تُدافع عن حقوق الطلاب وتحمل مطالبهم وتنظّم النشاطات والندوات والاحتفالات في المناسبات، واعتياد أن يكون لنا مَن يمثّلنا وينطق باسمنا، ويُنافس على ذلك بأريحيّة وديموقراطيّة... أليس هذا هو الجوّ الديموقراطي الذي يجب أن نجده في جامعة «أميركية»؟
فلنفتح كل المُغلَقات، ولتوضَع كل الأمور على بساط البحث، ولتُحَصْحَصْ الحقائق حتى تظهر لكل ذي عينين. فلا أوطان تبنى إلا على أُسسٍ من المعرفة بالحقائق وقبولها والسعي إلى ترسيخ الجيّد منها وتطوير المتخلّف...
إبراهيم خ. شرارة