خالد صاغيةيدفع باراك أوباما اليوم ثمن تردّده، وعدم إقدامه على اتّخاذ خطوات جريئة لتحفيز الاقتصاد الأميركي بعد الأزمة العاصفة التي لم يشهد مثيلاً لها منذ الثلاثينيّات. وإذا كانت الواقعيّة تقتضي عدم انتظار أيّ تدابير من النوع الذي يحدث تغييرات جذريّة في الاقتصاد الأميركي، فإنّ أضعف الإيمان يفترض قيام الدولة بالعلاجات الكينزيّة البسيطة مثل تعزيز الإنفاق العام لضخّ الأموال في اقتصاد يُشغل المدينون فيه بتسديد الدين وفوائده، ويصرّ الدائنون على تكديس الأموال وعدم المخاطرة في أيّ استثمارات في ظلّ الركود الحالي.
لكنّ الغريب في هذه الانتخابات ليس دفاع أوباما عن تردّده، ولا ادّعاءه أنّه أرسى القواعد الصحيحة لتغيير سيأتي بعد حين. وهذه ليست نهاية عهده بالتأكيد. فخسارة الانتخابات النصفيّة ـــــ إن تأكّدت ـــــ لا تسحب نفسها على الانتخابات الرئاسيّة بعد سنتين. الغريب حقاً هو إصرار الجمهوريّين على تأمين شروط استمرار اللعبة نفسها كأنّ شيئاً لم يكن، ورفضهم أيّ محاولة لتدخّل الدولة لتحريك الاقتصاد. ورغم أنّ سياسات جورج بوش الابن هي التي أنفقت من الخزينة من دون حساب لخوض الحروب بالدرجة الأولى، وهي التي استمرّت في تشجيع المواطنين على الاقتراض إلى ما لا نهاية، فإنّ الجمهوريّين يدافعون اليوم عن سياسة «شدّ الأحزمة». فحين تقتنع الدولة بشدّ حزامها، يسهل تبرير عدم المسّ بثروات الأغنياء ومداخيلهم، والمضيّ في مزيد من الإعفاءات الضريبيّة.
ما يحدث في الولايات المتّحدة اليوم يثبت صحّة التحليلات المتشائمة التي لم ترَ في الأزمة الماليّة العالميّة نهايةً للنيوليبراليّة. فحتّى لو فرضت تلك الأزمة تغييراً في بعض السياسات الآنيّة، فإنّ جوهر المشروع النيوليبرالي بقي محافظاً على نفسه، وهو القاضي بإعادة تأمين تسلُّط الأكثر ثراءً، وفرض السياسات التي تضمن مصالحهم حصراً. وهذا ما حصل حين تحرّكت الدول لإنقاذ البنوك، ثمّ أُعيد كفّ يد الدول نفسها بعد حين. وهذا ما حصل حين لم تأبه كبرى المؤسّسات الماليّة العالميّة بكلّ النقد الذي وُجِّه لها، فاستمرّت في توزيع المكافآت الضخمة على مديريها، وهي مكافآت مجبولة بتشريد الآلاف ممّن لم يتمكّنوا من تأمين متطلّبات قروضهم العقاريّة.
إذا كانت الخيبة ما يسم العامين المنصرمين من عهد أوباما، فإنّ الوقاحة هي ما ينطبق على ردّ الفعل الجمهوريّ. وهي وقاحة لا تقتصر طبعاً على اليمين الأميركي. اسألوا فؤاد السنيورة ومندوبيه في وزارة المال.