خالد صاغيةذات يوم من أيّام هذه المنطقة التعيسة، وبعدما كان الجيش الأميركي قد اجتاح العراق، وجد بول وولفويتز (هل من يذكره؟) منسوباً كافياً من الوقاحة كي يقول: مشكلة العراق هي في الأجانب الذين باتوا على أرضه. طبعاً، لم يكن وولفويتز يقصد الغزاة الأميركيين. فهؤلاء ليسوا بالأجانب. إنّهم أهل الدار، ومحرّروها، وبناة مستقبلها.
مرّت زلّة لسان وولفويتز مرور الكرام. لا بل بات تقديره للمشكلة في العراق لازمة تتردّد على ألسنة معظم قادة المنطقة وكثير من محلّليها السياسيّين الذين لم يجدوا في الاحتلال مشكلة، وراحوا يلقون اللوم على تدخّلات الدول المحيطة بالعراق، والمقاتلين العرب الوافدين إليه.
fرغم كلّ الويلات التي جرّتها حرب العراق على بلاد ما بين النهرين وعلى الولايات المتّحدة نفسها، يبدو أنّ المنطق الأميركي لم يتغيّر. فبعد الفضائح (وهي لا تزال في بداياتها) التي كشفها موقع «ويكيليكس»، لم تجد السفيرة الأميركيّة الجديدة في لبنان مورا كونيلي ما تعتذر عنه أو توضحه، بل خرجت بعد لقاء برئيس الحكومة اللبنانيّة لتعلن أنّ «تسريبات موقع «ويكيليكس» تخدم «زيادة منسوب التوتّر» في لبنان». ذلك أنّ هذه التسريبات هي «غير شرعية وغير مسؤولة»، وترمي إلى «تسجيل نقاط سياسية».
ليست التدخّلات الأميركيّة في لبنان ما يرفع منسوب التوتّر إذاً. ليست الوشايات والنصائح والاقتراحات والمؤامرات التي تحاك داخل أروقة السفارة ما يرفع منسوب التوتّر. ليس تحريض فئة من اللبنانيين ضدّ أخرى ما يرفع منسوب التوتّر. ليس استخدام لبنان كمختبر للشرق الأوسط الجديد ما يرفع منسوب التوتّر. ليس تلقّي النصائح بخصوص حرب إسرائيلية جديدة على لبنان ما يرفع منسوب التوتّر. باختصار، ليس ما تتضمّنه تلك الوثائق ما ينبغي أن يتوقّف، بل تسريب الوثائق أو نشرها هو الذي ينبغي أن يتوقّف.
لكن هل يمكن أن يلوم المرء السيّدة كونيلي؟ لا بدّ أنّها تشعر بالملل في عوكر. فبعد «ويكيليكس»، تناقص عدد الزوّار، وتناقص كلامهم بالتأكيد. لقد وعدها جيفري فيلتمان بإقامة مفعمة بالتسلية والمتعة في لبنان، فجاءت التسريبات لتقضي على آمالها. ماذا ستكتب في تقاريرها بعد اليوم؟ بإمكانها أن تروي حكاية السنافر، وأن تصرخ كأيّ سنفور غضبان: أنا أكره التسريبات.