تونس | صادق البرلمان الأوروبي، أمس، على قرار يدعو السلطات التونسية إلى إطلاق سراح مدير إذاعة «موزاييك»، نور الدين بوطار، والموقوفين كافةً في إطار ما يُعرف بـ«قضيّة التآمر على أمن الدولة». وحضّ القرار، الذي أيّده 496 نائباً من مجموع 537، السلطات التونسية، على إعادة القضاة المعزولين إلى وظائفهم، وعلى ضرورة احترام حريّة نشاط المجتمع المدني والنقابات، وفي مقدّمها «الاتحاد العام التونسي للشغل». كذلك، دان طرْد الأمينة العامة لـ«اتّحاد النقابات الأوروبية»، ومنْع عدد آخر من النقابيين الدوليين من دخول تونس، بحجّة دعْمهم التظاهرات العمّالية التي نظّمها «اتحاد الشغل» بداية الشهر الجاري. واستنكر، أيضاً، و«بشدّة»، تصريحات الرئيس التونسي، قيس سعيّد، التي وصفها بـ«العنصرية» ضدّ المهاجرين الأفارقة، والتي أعقبتها أعمال عنف طاولت هؤلاء، مذكّراً بأهمّية احترام القوانين الدولية والقانون التونسي المتعلّق بمناهضة العنصرية. وفي الموازاة، طالب البرلمان، دولَهُ الأعضاء، بإدانة علنيّة للتدهور الكبير لوضع حقوق الإنسان في تونس، وبتعليق برامجها الخاصة بوزارتَي العدل والداخلية التونسيّتَين، داعياً بعثة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى متابعة المحاكمات السياسية، وإلى بدء حوار دائم مع المجتمع المدني في هذا البلد.ولا يحمل القرار أيّ بُعد إلزامي، إذ سبق للبرلمان الأوروبي أن أصدر، قبل أسابيع، قراراً حول حريّة الصحافة في المغرب، إلّا أن إسبانيا سارعت إلى رفضه، فيما أكد السفير الفرنسي لدى المغرب أن القرار لا يلزم بلاده بشيء. وإنْ لم يكن للقرار بخصوص المغرب أثر إجرائي عاجل أو مباشر، على رغم الأثر السياسي العام وتداعياته الممكنة بعد فترة، إلّا أن أثر خطوة البرلمان الأوروبي على تونس سيكون مختلفاً، على اعتبار أن القلق الذي تعبّر عنه الدوائر الأوروبية منذ قرارات الرئيس قيس سعيّد، في 25 تموز 2021، يأتي هذه المرّة وسط التصعيد المستمرّ ضدّ النشطاء السياسيين والصحافيين ووسائل الإعلام، إضافة إلى المواجهة المعلَنة مع «اتحاد الشغل». يضاف إلى ما تقدَّم، أن تلك القرارات كثيراً ما يكون لها تأثير أكبر في الدول التي تَعرف أزمات سياسية واجتماعية في آن.
ستستثمر قوى المعارضة والقوى المدنية والمنظّمات النقابية التونسية قرار البرلمان الأوروبي ما أمكن


من جهتها، ستستثمر قوى المعارضة والقوى المدنية والمنظّمات النقابية التونسية هذا القرار ما أمكن، للتأكيد أن ما ذهب إليه سعيّد مُدان دوليّاً، ومن قِبَل أهمّ شركاء تونس على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. في المقابل، سيستمرّ الرئيس التونسي في التشديد على مسألة السيادة الوطنيّة، وإدانة أيّ تدخُّل أجنبي، لكن الأمر لن يكون سهلاً بالنسبة إليه؛ فقد سبق له أن دان تصريحات دبلوماسي أميركي كان يستعدّ لتولّي منصب سفير واشنطن في تونس، لكنّه قَبِل بعد أشهر أوراق اعتماده، من دون أيّ اعتراض، ما يعني أن موازين القوى لا تزال هي الحاسمة في نهاية المطاف. وقد يتكرّر السيناريو نفسه اليوم، ولكن ليس واضحاً بأيّ شكل، ولا سيما أن سعيّد لا يُحسن التعاطي الدبلوماسي مع الأحداث، وسيبدو محرَجاً أمام جمهور يعجبه تعنُّت الرئيس، وما يبديه من صلابة، وما يوجّهه إلى أطراف خارجية «يتآمر» معها معارضون - منهم موقوفون - من اتّهامات، وفق ما تُظهره محاضر البحث المسرّبة، حيث ذُكرت السفارة الأميركية بالتحديد. وعلى أيّ حال، وبينما ستُعجّل الأصوات المؤيّدة لسعيّد في إدانة القرار الذي «مسّ السيادة الوطنية»، سيكون هذا الاختبار الأصعب لحُكم سعيّد، على اعتبار أن تونس من بين البُلدان التي يمثّل «التعاون الدولي» ركيزة رئيسة من ركائز استمرارية اقتصادها - بمعزل عن صحّة ذلك الوضع -، ويعدّ الاتحاد الأوروبي الشريك الأوّل لها.