ما مدى أهمّية إعلان الجزائر المشترك، الفرنسي - الجزائري، عن الشراكة المتجدّدة بين البلدَين؟ هل هو مجرّد إعلان نوايا، أو تمهيد لشراكة جدّية ستترجَم عملياً في سياقٍ يشهد انحساراً لنفوذ فرنسا في منطقة الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء؟
- هذا الإعلان أتى كتتويج لزيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للجزائر، والتي دامت 3 أيام. تربط الأخيرَ بنظيره الجزائري، الرئيس عبد المجيد تبون، علاقاتٌ شخصية متينة. ينبغي التذكير، رغم ذلك، بأن هذا الإعلان ليس الأوّل من نوعه، فقد سبقه ذلك الصادر عن الرئيس فرنسوا هولاند في 20 كانون الأول 2012. تتميّز زيارة ماكرون عن سابقاتها بأنها تلت مرحلة شهدت توتّرات كبرى بين الدولتَين. في أيلول 2021، شكّك ماكرون في وجود الأمّة الجزائرية قبل الاستعمار، وزعم أن «النظام السياسي - العسكري الجزائري يلجأ إلى استغلالٍ ريْعي للذاكرة ضدّ فرنسا». إضافة إلى ما تَقدّم، خفّضت باريس عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين، وألمحت إلى أنها ستمتنع عن إعطائها للمسؤولين الجزائريين. دفعت هذه التطوّرات السلطات الجزائرية إلى استدعاء سفيرها في باريس لعدّة أشهر. لكن ماكرون في الأشهر الماضية عاد وأدلى بمجموعة من التصريحات لتطبيع العلاقات بين البلدَين، كذلك الذي اعتَبر فيه، في تشرين الثاني 2021، أن الجزائر «أمّة كبرى».

(من الويب)

العلاقات المعقّدة بين البلدَين لا تتناقض مع وجود روابط بينهما بفعل التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والأمن والثقافة، عطفاً على الروابط الإنسانية (الجالية الجزائرية في فرنسا، الهجرة غير الشرعية...). بطبيعة الحال، 3 أيام غير كافية لمعالجة جميع هذه الملفّات الإشكالية بين البلدَين. يمكننا القول إن إعلان الجزائر الأخير حدّد إطاراً عاماً لمعالجتها. الاجتماع الذي جرى بين الرئيسَين وكبار القادة العسكريين والأمنيين في البلدَين هو الأوّل من نوعه منذ استقلال الجزائر في تموز 1962، وما يزيد من أهمّية البُعد الأمني لهذا الاجتماع هو النكسة التي مُنيت بها فرنسا في مالي، حيث اضطرّت إلى سحب قوّاتها من هناك، ونقلها إلى النيجر. الجزائر التي لديها حدود طويلة مع مالي، تستطيع لعب دور حاسم على المستوى الأمني. بعد التوتّر في العلاقات بينها وبين فرنسا في خريف 2021، منعت الطائرات الفرنسية من التحليق في أجوائها. قبل هذا التوتّر، كان مسموحاً لهذه الطائرات باستخدام المجال الجوّي الجزائري للوصول إلى منطقة الساحل. هذا بُعد حيوي بالنسبة إلى فرنسا التي تدرك أن عدم تعاون الجزائر معها سيعني نهاية أيّ فعالية بالنسبة لما يسمّى «مجموعة الدول الـ5 حول الساحل».

ما هي مصلحة الجزائر في نسْج مثل هذه الشراكة مع فرنسا؟ يجري الحديث راهناً عن شراكة أمنية وفي ميدان الطاقة، هل هي قابلة للتطوّر نحو شراكة استراتيجية ثُنائية في ظلّ تسارُع تحوُّلات النظامَين الإقليمي والدولي؟
- بالنسبة إلى الجزائر، فإن أحد أهداف هذه الشراكة هو التأكيد على أهمّيتها كلاعب مستقلّ على الصعيد الدولي، غير مرتهَن لواشنطن أو لموسكو أو لبكين. الإعلان عن هذه الشراكة في ظلّ استعار الحرب في أوكرانيا يُكذّب من يدّعون أن الجزائر مجرّد بيدق يعمل في إطار استراتيجية موسكو في هذه المنطقة. هي تريد، من خلال الشراكة مع باريس أيضاً، الحدّ قدْر المستطاع من الدعم الفرنسي للمغرب بالنسبة لمسألة الصحراء الغربية. بكلام آخر، هي تريد التصدّي للتحالف العسكري بين المغرب وإسرائيل، والذي ترى فيه تهديداً حقيقياً لأمنها الوطني. أمّا في ميدان الطاقة، فإن فرنسا تستورد 8% من مجمل وارداتها من الغاز من الجزائر. تمّ التطرّق، خلال زيارة الرئيس الفرنسي، إلى إمكانية زيادة صادرات الغاز الجزائري نحوها بنسبة 50%.
علاقات الجزائر مع روسيا متينة، وتعود إلى زمن حرب التحرير

ولا شكّ في أن ضمان مصدر بديل، مع وقف روسيا تصديرها الغاز نحو أوروبا، هو أمر في غاية الأهمّية بالنسبة لفرنسا. هي لا تريد استعداء الجزائر كما فعلت الحكومة الاشتراكية الإسبانية، والتي ستدفع ثمناً مرتفعاً نتيجة لذلك سياسياً واقتصادياً. من منظور جزائري، فإن الغاية الأساسية ليست تصدير الغاز إلى فرنسا، بقدْر ما هي اجتذاب الاستثمارات إلى هذا القطاع. إيطاليا مثلاً، قامت بتوقيع عقود هامّة مع الجزائر في قطاعَي النفط والغاز.

ألن تكون لمِثل هذه الشراكة بين الجزائر وفرنسا تداعيات سلبية على العلاقات بين الأولى وروسيا؟
- علاقات الجزائر مع روسيا متينة، وتعود إلى زمن حرب التحرير. تستورد الجزائر 70% من سلاحها وأعتدتها العسكرية من روسيا. هي مدرِكة أنه في حال اندلاع حرب مع المغرب، فإن إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا سيساندون المغرب، حليفهم الإقليمي. هي تتحرّك باعتبارها لاعباً مستقلّاً، ولن تقبل بأيّ حال بأن تُرغمها القوى الغربية على اختيار أيّ معسكر من المعسكرات، لأنها واقعاً لم تتخلّ منذ الاستقلال عن ثوابت عدم الانحياز. وفي النزاع بين روسيا وأوكرانيا، هي أعلنت عن موقف محايد، على رغم تَفهّمها دواعي العملية العسكرية الروسية (توسيع الناتو شرقاً)، وحافظت في الآن نفسه على علاقات جيّدة مع أوكرانيا.