طرابلس | مع انتهاء الاشتباكات العنيفة التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس على خلفية محاولة رئيس الحكومة المكلَّف من البرلمان فتحي باشاغا دخول المدينة بالقوّة العسكرية، بات الوضع مجمَّداً بين طرفَي النزاع، باشاغا من جهة؛ ورئيس الحكومة المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، المسيطِر على العاصمة وبعض المناطق الأخرى في البلاد، من جهة أخرى، في حين لا تزال السجالات بينهما مستمرّة حتى بعد الاتفاق على تفاوض غير مباشر. وتسير عملية التفاوض التي بدأت برعاية إقليمية عبر أجهزة الاستخبارات في المقام الأوّل، بالتوازي مع استمرار التحشيد العسكري من قِبَل الطرفَين، وتواصُل عمليات الإمداد بالسلاح، سواءً للتشكيلات المنتشرة داخل طرابلس، والتي تُحسّن استعداداتها تحسُّباً لأي محاولة جديدة لدخول العاصمة، وسط انتشار عسكري مكثَّف بخاصة على أطراف المدينة وجميع الطرق المؤدية إلى طرابلس؛ أو للقوات الداعمة لباشاغا والتي تستعرض حشودها وقدرتها على التحرك مجدداً نحو العاصمة بآلاف المسلحين. ولا يقتصر هذا الوضع على طرابلس، بل يمتدّ إلى مناطق أخرى يسيطر عليها الطرفان، وهو ما يهدد بانفجار متجدد قد لا يقتصر هذه المرة على العاصمة، في ظل دخول البلاد حالة من الشلل السياسي والاقتصادي. وفيما يستغل باشاغا الغضب الشعبي من تأخُّر الانتخابات واتهام الدبيبة بتعطيل إجرائها، يحاول الأخير إظهار الأول بصورة الساعي للوصول إلى السلطة عبر انقلاب يهدم «جميع المسارات الديموقراطية».
يجري العمل على إبقاء حرية الحركة والتنقل بين مختلف المدن الليبية قائمة

وبالتوازي مع انطلاق المفاوضات بين باشاغا والدبيبة، تَجري لقاءات واتصالات مع أطراف أخرى، بما يشمل ممثلي القبائل، من أجل التوصل إلى تفاهمات تمكن على أساسها صياغة أسس قانونية ودستورية لإجراء الانتخابات. وبحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن هذه التفاهمات، في حال اكتمالها، قد يجري تمريرها لاحقاً من خلال مجلس النواب، أو حتى عبر بعثة الأمم المتحدة. لكن المشكلة الرئيسة التي لا تزال تعترض طريق الاتفاق، هي الاختلاف على طبيعة النظام الذي يُفترض أن يَحكم البلاد بعد إجراء الانتخابات، ما بين نظام رئاسي وآخر برلماني وثالث مختلط، وإن كان الأخير هو الأقرب إلى التَحقّق على رغم التعقيدات الكثيرة التي تحفّ به، وعلى رأسها محاولات الترتيب المسبَق لجميع المناصب قبيل إجراء الانتخابات. ويبدو، في هذا الإطار، أن السياسيين لا يريدون إجراء انتخابات غير مضمونة النتائج لهم، سواء العسكريين غير الراغبين في مغادرة السلطة، أو باشاغا الذي يسعى لترؤس الحكومة، أو حتى عقيلة صالح رئيس البرلمان وخليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة الراغبين في الوصول إلى كرسي الرئاسة.
على أن المفاوضات غير المباشرة المتواصلة في الوقت الراهن، وضعت عدة أسس غير قابلة للمساومة، أهمّها ضرورة إجراء الانتخابات في أسرع وقت، والوصول إلى حلول توافقية تُنهي الانقسام الداخلي، مع آليات واضحة وجدول زمني معقول، والغضّ عما قام به جميع الأطراف في السنوات الماضية، بما يعني وأْد أي إمكانية للتحقيق والمحاسبة. والظاهر أن الوسطاء يسعون للوصول إلى انتخابات تضْمن للجميع مناصب في مناطق بعيْنها، وفق خريطة توزّع نفوذهم، على أن تتم الدعوة إلى تعديل الدستور ووضع قوانين جديدة مع انتخاب السلطة الليبية قبل الصيف المقبل، وهو تصوُّر ترعاه مصر ودول خليجية ويحظى بتأييد فرنسي حتى الآن. وسيكون أساس هذا التصوّر هو المفاوضات التي جرت في مصر وسويسرا بين غرفتَي البرلمان، إلى جانب ما جرى التوصل إليه في «لجنة 5+5» العسكرية، والتي لم تجتمع منذ بدء التوترات الأخيرة، في وقت يجري فيه العمل على إبقاء حرية الحركة والتنقل بين مختلف المدن الليبية قائمة، وعدم تعليقها كما كانت خلال فترة الاقتتال.