تونس | يوماً بعد يوم، يزداد المشهد التونسي تعقيداً، وسط تمسّك الرئيس قيس سعيد بقراراته، ولا مبالاته بالحراك الاحتجاجي عليها - وآخر وجوهه الإضراب المستمرّ الذي يقوده القضاة -، فضلاً عن ردود الفعل الخارجية المندّدة بها. وعلى رغم ما قد تثيره معركة القضاة من تعاطف، بالنظر إلى «لا عدالة» الأدوات المستخدمة في ما يسمّيه سعيد «محاسبتهم»، ومِن ضمنها الإعفاء من مهامهم، إلّا أن هامش الربح أمامهم لا يبدو كبيراً. ولعلّ من بين العوامل التي تلعب ضدّهم، هو أن الإضراب الذي يشارك فيه السواد الأعظم من القضاة العدليين والماليين والإداريين، يتسبّب بالنقمة لدى جزء من الشارع، كونه يؤدّي إلى تأجيل البتّ في قضايا مصيرية لحياة البعض، علاوة على ملفّات المودعين في السجن تحفّظاً أو الموقوفين على ذمّة قضايا تمّ تأخير النظر فيها.وخلال بحث القضاة عن حلفاء في «نضالهم» ضدّ الرئيس، كانت قضيّتهم كافية لحشد النخبة حولهم، ولكنّ بعضاً منهم، مِمَّن عُرفوا بانتمائهم إلى منظومة حُكم ما قبل 25 تموز، فضّلوا «ضرب عصفورَين بحجر واحد». ومن هنا، جاء ترويجهم لخبر مفاده أن سعيد يمارس ضغطاً على القضاة من أجل البتّ في قضية رفعها نقابيون ضدّ الأمين العام لـ«الاتحاد العام التونسي للشغل»، نور الدين الطبوبي، للطعن في تنقيحه الفصل العشرين من قانون الاتحاد الداخلي، والذي أتاح له تمديد عُهدته، وهي نقطة مثّلت محلّ خلاف وسجال خرج إلى العلن بين الطبوبي ومعارضيه، طاول حدّ فصله قيادات تاريخية في الاتحاد من مهامها، لتردّ الأخيرة بالاتّجاه إلى القضاء، حيث تمّ تأجيل البتّ في القضية إلى شهر أيلول المقبل. وعلى رغم رواج هذا الخبر بشكل واسع في الساحة الإعلامية، إلّا أن تعليق الطبوبي عليه جاء مخالفاً للتوقّعات؛ إذ إن الرجل، وعلى رغم كونه يخشى فعلاً الحُكم لصالح خصومه وإبطال جميع أشغال المؤتمر الذي نجمت عنه إعادة انتخابه، دعا منظومة ما قبل 25 تموز إلى «الكفّ عن ترويج هكذا شائعات». ولم تكد زوبعة الحُكم المفترَض ضدّ الطبوبي تنتهي، حتى سرى خبر ثانٍ، مصدره صحافي معروف بانتمائه إلى حركة «النهضة»، مفاده أن سعيد أوعز إلى المؤسّسة العسكرية بوضع قيادات «منظّمة الشغيلة» تحت الإقامة الجبرية، ومصادرة مقرّاتها وإغلاقها بالمركبات العسكرية، وأن الجيش أعلم قياداتها بالأمر، وأكد لهم رفضه أوامر سعيد. واستباقاً لأيّ تداعيات يمكن أن تنجم عن هكذا خبر، من قبيل خروج قواعد الاتحاد، وهي في أدناها 600 ألف موظّف وعامل، لحماية مقرّات المنظمة وقياداتها، مع ما يعنيه ذلك من تصادم بين القواعد وقوات الأمن، خرج الاتحاد لينفي هذا الحديث، ويدعو إلى الكفّ عن محاولة الزجّ به في صدام دامٍ ومباشر مع سعيد.
إزاء ذلك، يبدو أن «اتحاد الشغل» يستشعر مسعًى من قِبَل الجبهة المناهضة لسعيد، إلى تجيير قوّته الشعبية لصالح مشروعها. ولذا، فقد جدّد الطبوبي، في كلمة له أوّل من أمس، التأكيد أن «ما يقوم به البعض من شحن للشارع ودفع للاتحاد نحو صدام مباشر مع الرئيس لن يحصل على ما يريد». وقبيل أيام معدودة من الإضراب العام الذي تعتزم المنظّمة النقابية تنفيذه في 16 حزيران، وعلى الرغم من رفض حكومة سعيد التفاوض، لم يقطع الاتحاد شعرة معاوية مع الرئيس، وكرّر تشديده على أن موقفه إنّما هو ضدّ غموض مسار سعيد وتفرّده برسم ملامح المرحلة المقبلة، وليس من أجل إزاحته أو إسقاطه.