الجزائر | تزايدت الانتقادات التي تُواجهها السلطة في الجزائر، على خلفية معالجتها لسلسلة من القضايا المرتبطة بملفّ الحقوق والحرّيات. ومع بداية السنة الجارية، لوحظ، بحسب «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، ارتفاع عدد الاعتقالات التي تطاول النشطاء السياسيين، وذلك لأسباب تتعلّق بمنشوراتهم المعارِضة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول «لجنة الدفاع عن المعتقلين»، وهي هيئة رصد محلية، إن ثمّة حوالى 250 معتقل رأي حالياً في السجون، يواجه أغلبهم تهم «المساس بالوحدة الوطنية والإضرار بالمصلحة الوطنية والدعوة للتجمهر غير المصرّح وإهانة هيئة نظامية»، وغير ذلك من التهم ذات البُعد السياسي. ومثّلت محاكمة فتحي غراس، منسّق «الحركة الديموقراطية الاجتماعية»، وسليل «الحزب الشيوعي» في الجزائر، ذروة القلق على الوضع الحقوقي بالنسبة إلى ساسة المعارضة الجزائرية، بعد أن حُكم عليه بالسجن النافذ لمدّة سنتين، في وقائع تتّصل بتصريحاته المُهاجِمة بشدّة لسياسة السلطة الحالية. وواجه غراس عدّة تُهم منها «نشر منشورات من شأنها المساس بالوحدة الوطنية والإضرار بالنظام العام»، و«إهانة هيئة نظامية»، و«إهانة رئيس الجمهورية». وعلى رغم استماتة محاميه في الدفاع عن براءته وإظهار أنه مسؤول حزب معتمَد في الساحة وكان يعبّر عن مواقفه، إلّا أنه لم ينجُ من حُكم ثقيل، يُعدّ سابقة في حقّ مسؤول حزب، منذ إقرار التعدّدية الحزبية في البلاد في تسعينيات القرن الماضي. لكنّ غراس، سيكون بإمكانه الدفاع من جديد عن براءته أمام محكمة الاستئناف، والتي عادة ما تكون أحكامها مُخفّفة مقارنة بالمحاكم الابتدائية.وفضلاً عن قضية غراس، أثار الإنذار الذي وجّهته وزارة الداخلية إلى «حزب التجمّع من أجل الثقافة والديموقراطية» الكثير من الجدل. ويعود سبب احتجاج الوزارة إلى كون هذا الحزب احتضن اجتماعاً لأحزاب ومنظّمات حقوقية قصْد تشكيل جبهة «ضدّ القمع»، وهو لقاء لا يدخل بحسبها في اختصاصات الحزب السياسي، بموجب قانون الأحزاب المُنظِّم للعملية السياسية. لكنّ الحزب انتفض ضدّ ذلك القرار، واعتبر أن وزارة الداخلية تريد منعه من ممارسة السياسة. وليست هذه المرة الأولى التي تدْخل فيها وزارة الداخلية في مواجهة مع التجمّع المحسوب على المعارضة الراديكالية؛ فقد وجّهت إليه عدّة إنذارات في السابق، خاصة في فترة الحراك الشعبي، حيث اتُّهم باستعمال أحد مقرّاته لإيواء المتظاهرين. كما يواجه رئيسه متاعب قضائية، بعدما تمّ نزع الحصانة البرلمانية عنه في السابق لملاحقته. وعلى الرغم من أن قضيّته تُعدّ قضية حق عام وليست سياسية، إلّا أن سياق الملاحقة جعل حزبه يعتقد أنها تدخْل في إطار التضييق على التجمّع، بسبب مواقفه السياسية. وفي الأشهر الأخيرة، دخلت وزارة الداخلية في نزاعات قضائية مع عدّة أحزاب وجمعيات، حيث حَكم القضاء بحلّ جمعية «راج» المعروفة بانخراطها في الحراك الشعبي، فيما يواجه «حزب الاتحاد من أجل الرقيّ والتغيير»، الذي تقوده المعارِضة زبيدة عسول، احتمالات الحلّ، في انتظار فصْل مجلس الدولة، وهو أعلى محكمة إدارية، في القرار. وسبق لوزارة الداخلية أن وجّهت إنذاراً شديد اللهجة إلى رئيسة الحزب، واتّهمتها بالخروج عن دورها والقيام بنشاطات غير مرخّصة. وينسحب الحال نفسه على «حزب العمال الاشتراكي» المحسوب على أقصى اليسار، والمنخرط في «تكتل البديل الديموقراطي» الذي رفض المشاركة في كلّ الانتخابات التي نظّمتها السلطة منذ رئاسيات 2019.
وفي ظلّ هذا المشهد، أصدرت منظّمات حقوقية وشخصيات ومحامون، عريضة تُطالب بالإنهاء الفوري للاعتقالات والملاحقات والإجراءات الإدارية ضدّ الفاعلين السياسيين والناشطين في المجتمع المدني والنقابيين ومنظّماتهم، وإلغاء القوانين المُعادية للحريات، وضمان الحق في التنظيم، والإفراج من دون تأخير عن جميع سجناء الرأي، وإلغاء جميع الإجراءات القضائية الجارية ضدّ المنظمات التي تَنشط في الحياة العامة. كما راسل الناشط السياسي، كريم طابو، الأمين العام للأمم المتحدة، مطالباً إيّاه بالتدخّل للإفراج عن المعتقلين. وقال طابو، وهو معتقل سابق، في رسالته، إن الجزائر «صادقت ووقّعت على جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلّقة بحماية الحقوق والحرّيات لتلميع صورتها في الخارج، لكنها لا تحترمها ولا تُطبّقها في الداخل»، بحسبه. ولا تتوقّف المنظّمات غير الحكومية الدولية، بدورها، عن انتقاد الوضع في الجزائر، حيث تدعو «منظّمة العفو الدولية»، في كلّ مرّة، إلى الإفراج عن المعتقلين، بينما تُصنِّف منظّمات أخرى، مثل «فريدوم هاوس»، الجزائر، كبلد «غير حرّ» وفق المعايير التي تضعها.
استئناف ملاحقة بعض النشطاء يمكن ربطه مع اقتراب الذكرى الثالثة للحراك الشعبي


وفي التحليل العام لما يجري، تشير بعض القراءات، إلى أن استئناف ملاحقة بعض النشطاء، يمكن ربطه باقتراب الذكرى الثالثة للحراك الشعبي الذي انطلق في 22 شباط 2019، وانتهى بالإطاحة بحُكم الرئيس الراحل، عبد العزيز بوتفليقة. وتبدو السلطات عازمة على عدم السماح بظهور مسيرات جديدة في العاصمة، خصوصاً أنه بالنسبة إلى الرئيس عبد المجيد تبون، فإن الحراك اليوم انتقل إلى المؤسّسات، والمطالِبون بالتغيير بات بإمكانهم دخول المجالس المنتخَبة وفرض أنفسهم هناك. وكانت السلطات، منتصف العام الماضي، قد أنهت المسيرات الشعبية، واعتبرت أنها أصبحت تُردّد شعارات متطرّفة، وتخضع لسيطرة منظّمات ناشطة في الخارج تمّ تصنيفها لاحقاً على أنها منظّمات إرهابية. ونادراً ما تردّ السلطات الجزائرية، بشكل مباشر، على الانتقادات التي تطاولها، وتُفضّل على ذلك الحديث عن إيجابيات الدستور الجديد؛ فقد ذكر تبون، عدّة مرّات، في لقاءاته التلفزيونية، أن هناك تَقدّماً على صعيد الممارسة السياسية، من خلال اعتماد النظام التصريحي في تشكيل الأحزاب، وتمكين المعارضة من الحصول على منصب الوزير الأول، في حال تمكّنت من الحصول على الأغلبية البرلمانية. وعلى الصعيد الحقوقي، يرفض «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، وهو هيئة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية، الانتقادات المُوجَّهة إلى الجزائر ويعتبرها غير مؤسسة. وسبق لرئيسه بوزيد لزهاري، الذي غادر منصبه قبل أيام، أن طالب المنظّمات المُدافِعة عن حقوق الإنسان بتقديم الأدلّة على ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان للمجلس، على أن تكون موثّقة وبأدلّة متماسكة حول وقوع هذه الجرائم. في المقابل، أثنى لزهاري، على سياسة تبون في مجال حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن الرئيس أقرّ إجراءات عفو في حقّ أزيد من 15 ألف سجين منذ وصوله إلى الحُكم بينهم سجناء رأي، وهو ما لا تَنظر إليه، بحسبه، المنظّمات التي تهاجم الجزائر.