الجزائر | تمتلئ الشوارع الجزائرية، في هذه الأيام، بصور المرشّحين للانتخابات التشريعية السابعة في تاريخ الجزائر، منذ إطلاق التعددية السياسية في البلاد، في عام 1989. وتُقدَّم هذه الانتخابات على أنها مختلفة عن سابقاتها، خصوصاً أنها ستأتي بأوّل برلمان بعد الحراك الشعبي الذي أطاح حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة. في هذا الوقت، يجتهد رؤساء الأحزاب ومرشّحو القوائم الحرّة في تنشيط الحملات الانتخابية عبر تجمّعات في القاعات أو نشاطات في الأحياء، من أجل دفع المواطنين إلى التصويت لهم. لكنّ هذه المهرجانات الانتخابية تُقابَل، وفق الملاحَظ، بفتور من قِبَل المواطنين الغارقين في مشاكلهم الاجتماعية.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
ويحتدم التنافس في هذه الانتخابات بين عشرات الأحزاب والقوائم الحرّة في 58 ولاية بعد التقسيم الإداري الجديد، للفوز بمقاعد البرلمان البالغ عددها 407 مقاعد. وستُجرى الانتخابات وفق قانون انتخابي جديد، يجمع بين القائمة المفتوحة وتلك المغلقة، ما يسمح للناخب بأن يختار مرشّحين بعينهم داخل القائمة الانتخابية، بدلاً من ترتيب الأحزاب مرشّحيها في القوائم، كما كان الحال في السابق. وهو قانون جرى استحداثه بهدف محاربة ظاهرة شراء القوائم التي شكَّلت سبباً رئيساً في إفساد الانتخابات. لكن هذا لم يمنع من توجيه انتقادات للقانون الجديد كونه يشجّع العشائرية والتصويت للأشخاص بدلاً من البرامج. والأهمّ، وفق السلطة، أن هذه الانتخابات ستُجرى، للمرّة الأولى، بعيداً من الإدارة التي كانت تُتّهم في السابق بالتزوير، وذلك بعد استحداث «السلطة الوطنية للانتخابات» التي ستشرف على العملية من أوّلها إلى آخرها. لكن الإشكال، وفق المعارضين للعملية برمّتها، أن سلطة تنظيم الانتخابات لا تتمتّع بالاستقلالية التامة، كون أفرادها معيّنين من قِبَل رئيس الجمهورية، ناهيك بوجود ثغرات في القانون تتيح للإدارة التدخُّل في الاستحقاق. وردّاً على الملاحظات المذكورة، يقول رئيس سلطة الانتخابات، محمد شرفي، إن لديه الصلاحيات الكاملة التي سيضمن من خلالها نزاهة العملية.
في التفاصيل، يُلاحَظ أن غالبية الأحزاب السياسية المعتمَدة قد انخرطت في العملية، بعدما استطاعت تحصيل عدد التوقيعات المطلوبة والمقدَّرة بـ25 ألفاً. ومن أبرزها، تلك التي عُرفت بمساندتها للرئيس السابق، وعلى رأسها: «جبهة التحرير الوطني»، و«التجمّع الوطني الديمقراطي»، وحزب «تجمّع أمل الجزائر»، و«التحالف الوطني الجمهوري». ومن الأحزاب التي لم تسبق لها المشاركة من قبل، هناك: حزب «جيل جديد» الذي عُرف بمعارضته للرئيس السابق، و«صوت الشعب» الذي يقوده النائب السابق لمين عصماني. كما يدخل التيار الإسلامي هذه الانتخابات بثقله، من خلال «حركة مجتمع السلم»، و«حركة البناء»، و«جبهة العدالة والتنمية»، و«حركة النهضة والإصلاح»، وهي أحزاب تنتمي جميعها إلى التيار «الإخواني» في البلاد. هذا الواقع دفع بعض المتابعين إلى التحذير من مغبّة هيمنة الإسلاميين على مقاعد البرلمان المقبل، لكن الرئيس عبد المجيد تبون قال، في حديث إلى مجلة «لوبوان» الفرنسية، إن المشاركين في الانتخابات من التيار الإسلامي يؤمِنون بسلطة القانون، ولا يشبهون الإسلاميين في فترة الأزمة الأمنية.
هناك كتلة شعبية لا تزال ترفض الانتخابات، كونها مؤمنة باستمرار الحراك الشعبي


الجديد الذي حملته هذه الانتخابات، هو اقتحام القوائم الحرّة بقوّة المشهد الانتخابي بعد تسهيلات كثيرة قدَّمتها السلطة في هذا الإطار. وسبق إعدادَ القوائم التشجيعُ على إنشاء العديد من الجمعيات، إذ كان تبون قدَّم نفسه، سابقاً، على أنه مرشّح المجتمع المدني، وهو يتحدَّث في كلّ مرّة عن رغبته في منح دور مهمّ للجمعيات والمنظّمات في إدارة المجتمع. وذهبت بعض القراءات إلى اعتبار أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تمكين الرئيس من غالبية رئاسية مريحة في البرلمان المقبل، بعيداً من الأحزاب التقليدية التي ارتبط اسمها بالعهد السابق. غير أن جدلاً واسعاً أثاره قرار تمويل الحملة الانتخابية للمرشّحين في القوائم الحرّة، والذي اعتبره البعض مخالفاً للدستور كونه ينتهك شرط المساواة بين جميع المرشّحين.
وعلى الجانب الآخر، تبرز عدّة أحزاب سياسية رافضة للانتخابات، وهي في معظمها أحزاب علمانية يسارية يُطلَق عليها في الجزائر «التيار الديمقراطي». ومن أبرز المقاطعين: «جبهة القوى الاشتراكية»، و«التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية»، وحزب «العمّال»، و«الحركة الديمقراطية الاجتماعية». ويَعتقد هؤلاء أن الانتخابات الحالية ليست إلّا مناورة من السلطة لاستكمال واجهتها السياسية التي أطاحها الحراك الشعبي، والالتفاف على مطالب التغيير الجذري المرفوعة. كما يتحدثون عن غياب ضمانات حقيقية تجعل من هذه الانتخابات حرّة ونزيهة، وذلك على خلفية أجواء التعتيم الإعلامي، والتضييق على التظاهرات، وارتفاع وتيرة الاعتقالات.
أمّا الكتلة الشعبية الرافضة للانتخابات، فهي تلك التي لا تزال مؤمنة باستمرار الحراك، على رغم التضييق المفروض على التظاهر منذ نحو ثلاثة أسابيع. وتتّهم السلطات الجزائرية، الحراك، بأنه أصبح مختَرَقاً من قِبَل حركة «رشاد» ذات التوجُّه الإسلامي التي ينشط أبرز أعضائها في الخارج، وكذلك من قِبَل حركة «ماك» الانفصالية في منطقة القبائل. لذا، عمدت السلطات، قبل أسبوع، إلى وضع التنظيمَين على لوائح الإرهاب، حتى إن الرئيس الجزائري ذهب، في حديثه الأخير، إلى القول صراحةً إنه يعتقد أن «الحراك الشعبي انتهى»، وإنه لا يؤمن سوى بما يسمّيه الحراك الأصيل الذي أسقط الرئيس السابق. وأشار تبون إلى أن «هذا الحراك اختار طريق العقل بالذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، ولم يستمع إلى أصوات صفارات الإنذار التي حثّته على التحرُّك نحو فترة انتقالية، حيث ذهب عشرة ملايين جزائري للتصويت، ورفضت أقلية الانتخابات... أعتقد أن لكلّ جزائري الحقّ في التعبير عن نفسه، لكنني أرفض إملاءات الأقلية».