على وقع خلافات تتزايد يوماً بعد آخر، تُواجه الحكومة الليبية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مشكلات في التعامل مع القوى التي يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي وغرب البلاد، ولا سيما مع رفض الأخير أيّ محاولات لتوحيد قيادة الجيش تحت أمر السلطة الانتقالية، على رغم النص الواضح بقيادة رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، للقوات المسلحة، وهي الصلاحية التي لم يستطع ممارستها بوضوح حتى الآن. وأرجأت الحكومة اجتماعاً كان يُفترض أن يتمّ الإثنين الماضي، وذلك لأسباب أمنية، في أعقاب رفض حفتر والقوى المسيطرة على بنغازي استقبال موكب أمني لتأمين وصول الوزراء، في أوّل موقف رفض واضح للتعاون مع الحكومة التي تتّخذ من طرابلس مركزاً لها. ووصفت قوات حفتر رجال الأمن المفترض وصولهم بأنهم «عناصر مستفزّين»، مبدية الاستعداد الكامل لتأمين الوفد الحكومي خلال زيارته من لحظة هبوط الطائرة حتى مغادرته، من دون الاستعانة بقوات أخرى.ويأتي موقف حفتر، المبتعد عن الإعلام بصورة شبه كاملة، برفض التعاون مع القوات التي قاتلها على مدار نحو ثلاث سنوات، بالتزامن مع تأكيده أن توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية لن يتمّ قبل إخراج المرتزقة كافة، وهو المطلب الذي يتمسّك بتحقيقه أولاً، حتى في المباحثات العسكرية التي بدأت في بنغازي الثلاثاء، وجرى تمديدها لتنتهي اليوم الخميس، في محاولة لتحقيق أكبر قدر من التوافق. أمّا المنفي، فيسعى إلى الحصول على موافقة اللجنة على إتاحة فرصة الانتقال وحرية الحركة للقوة المكلّفة بحماية الحكومة، مع إمكانية إشراك جميع القوات فيها، على أن يتمّ ذلك وفق منهجية وآلية واضحتَين، مع استبعاد المرتزقة والعناصر غير الليبيين.
في الوقت نفسه، تناقش اجتماعات اللجنة العسكرية في سرت تفاصيل ما جرى الحوار فيه خلال الأسابيع الماضية في شأن اللجان الأمنية الفرعية التي شُكّلت من أجل تسهيل تبادل المعلومات، إضافة إلى مناقشة ملفّ المخلّفات الحربية والألغام الواجبة إزالتها بسرعة لتسهيل حركة المرور بين المدن، فضلاً عن فتح الطريق الساحلي بين سرت ومصراتة. ويواجه فتح الطريق تحفّظات من الجانبين؛ ففي الوقت الذي ترى فيه القوات الأمنية المتمركزة في طرابلس أن ذلك يجب أن لا يتمّ قبل تراجع قوات حفتر من سرت وتغيير نمط الأسلحة التي تمتلكها في النطاق، يطالب ممثّلو حفتر بأن يكون فتح الطريق وعودتهم إلى الوراء مقابل إخراج جميع المرتزقة، وهو الملف الوحيد نفسه الذي لم يتمّ تحديد جدول لتنفيذه من بين جميع البنود في اتفاق وقف إطلاق النار المُوقَّع في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في سويسرا.
مع ذلك، يحاول المنفي تقريب وجهات النظر في شأن قضايا جوهرية، مع التشديد على التزام الجميع بالقرار الصادر بمنع العسكريين من الظهور إعلامياً، واشتراط موافقته على أيّ بيانات تصدر باسم الجيش الليبي، وفق ما طلب شفهياً في اتصال هاتفي بينه وبين حفتر لم تكشف تفاصيله، وذلك في محاولة لتهدئة الأوضاع بعد توتّر الأيام الماضية. ويأتي هذا في الوقت الذي حاولت فيه وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، توضيح تصريحاتها حول تركيا التي أطلقتها خلال زياراتها لإيطاليا، مؤكدة أنها تطالب بإخراج جميع القوات الأجنبية، وأن هذا من اختصاص الحكومة المؤقتة، فيما تظلّ الاتفاقات الموقّعة سلفاً في انتظار الحكومة المنتخبة التي ستبحثها وتقرّر فيها. وتعرّضت المنقوش لانتقادات حادة بعد تصريحاتها عن إلغاء الاتفاقات مع تركيا في المجال العسكري، وهو ما يخالف الصلاحيات التي حصلت على أساسها الحكومة الحالية على الثقة من «ملتقى الحوار السياسي» برعاية أممية. يشار إلى أن الدبيبة أعفى جميع وكلاء الوزارات الذين عيّنهم سلفه فائز السراج، في خطوة تهدف إلى فرض سيطرة حكومته على جميع الوزارات خلال الأسابيع المقبلة، ضمن تحركات لضمان تنفيذ القرارات المتّخذة في مجلس الوزراء.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا