بدأت البعثة الأممية إلى ليبيا جولة مفاوضات أخرى، أول من أمس، يُفترض أن تكون الأخيرة ضمن «ملتقى الحوار السياسي» من أجل التوصل إلى توافق على آلية تسمية الشخصيات التي ستتولّى المناصب السيادية في السلطة الانتقالية. جولةٌ تُعقد عبر الاتصال المرئي لـ75 مشاركاً يمثّلون مختلف الأطراف، فيما ينحصر التصويت بين طريقتين للترشيحات بدلاً من عشر، وتشترط البعثة التوافق بنسبة 75% وليس الغالبية فقط.على رغم أن الصعوبة التي ستواجه المتحاورين ستكون مسألة دمج المؤسسات الأمنية التي يفترض أن تكون على رأس أولويات الحوار بسبب الأعداد الكبيرة من المرتزقة الذين يملكون السلاح في مناطق رئيسة، إلّا أن الصراع الداخلي على ترشيح بعض الشخصيات يسيطر على النقاشات. فبعض النواب في البرلمان يقولون إن الإسلاميين وداعميهم الذين يمثلون نحو 40 عضواً من أصل 75 مشاركاً، يدعمون الآلية الأمميّة الثالثة التي تقترح وصول مرشحهم، وزير الداخلية الحالي، فتحي باشأغا، إلى رئاسة الحكومة، في الوقت الذي تقصيه الآلية الثانية من المنصب، علماً أنه عبّر في أحاديث جانبية عن رغبته في رئاسة الوزراء، بل فتح، في سبيل ذلك، قنوات اتصال مباشرة مع مصر الشهر الماضي.
في غضون ذلك، صدرت تشديدات أخرى عن الرئاسة المشتركة لفريق العمل المعني بالقانون الدولي الإنساني، ويضم البعثة الأممية وكلاً من سويسرا وهولندا، وهو أحد مخرجات «مؤتمر برلين»، حاثاً الأطراف المشاركة على «إعلاء احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، مع العمل على تأمين سلامة الليبيين كافة»، في خطوة من شأنها الضغط على الأطراف للتوصل إلى اتفاق. ويسعى رعاة الحوار إلى بدء المسار السياسي المتّفق عليه، بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية واعتماد دستور جديد خلال 18 شهراً كحدّ أقصى، على أن تجرى الانتخابات في كانون الأول/ ديسمبر المقبل. مسارٌ لا يزال يصطدم بالتوافق على الشخصيات التي ستتولى المناصب، ولا سيما مع رغبة يبديها كثر في ترؤّس الحكومة الانتقالية، وإقدام رجال أعمال على ضخ أموالهم للفوز بهذا المنصب عبر التواصل مع أعضاء الملتقى.
من جهة أخرى، وعلى رغم حالة الاستنفار العسكري سواء لدى قوات خليفة حفتر التي تركز نشاطها على السفن في البحر، أو لدى حكومة «الوفاق الوطني» التي تواصل تلقّي إمدادات عسكرية من تركيا، اقتصرت لغة التصعيد المتبادلة، في خلال الأيام الماضية، على الإعلام دون تحركات ميدانية. يأتي ذلك في وقت تتواصل الخلافات الداخلية بين قيادات «الوفاق»؛ إذ إن محافظ «مصرف ليبيا»، الصديق الكبير، قدّم شكوى إلى النائب العام في أعقاب قرارٍ بمنعه من السفر صدر من باشأغا على خلفية الصدام بين الكبير ورئيس الوزراء، فائز السراج، ووزير ماليته ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، بعدما شجّع المحافظ الإبقاء على العائدات من بيع النفط في الخارج، انتظاراً لتحقيق التوافق على تقاسمها. ودخل محافظ «المركزي» في صدام، منذ أشهر، مع السراج، بعدما قرّر الأخير تشكيل جمعية عمومية للمصرف الخارجي، وهو ما رأى الكبير أنه يدخل ضمن اختصاصاته. كما يواجه القائمون على المصرف اتهامات بإنفاق مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية وتهريبها من البلاد بشكل غير شرعي، وسط أزمة اقتصادية ستدفع نحو إعادة تقييم سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات فور الاتفاق على توحيد المؤسسات المالية. ويتذرّع الكبير بأن تبعية المصرف للسلطة التشريعية، لا تسمح لوزير الداخلية أو رئيس الحكومة في التدخل في عمله ومراقبته. أما المقرّبون من السراج، فيقولون إن خطوة المنع من السفر تأتي استباقاً لمحاكمة قد يحال إليها المتهم في الأسابيع المقبلة، خاصة في حال تغيَّرت السلطة.
تضج «الوفاق» وقوات حفتر بخلافات داخلية كبيرة وسط كل واحدة


ولم تعد الخلافات بين قوات حفتر مرتبطة بوجود نقص في الأسلحة في بعض المناطق فقط، بل بنقص الأموال التي يتقاضاها عدد من أعضائه، ما ينذر بأزمة قد تظهر تبعاتها إلى العلن الشهر المقبل. لذلك، يأمل أتباع المشير في الحصول على جزء من عائدات النفط لتسوية بعض الرواتب والأموال المتأخّر سدادها في المناطق الخاضعة لسيطرته. بجانب ذلك، يترقب حفتر و«الوفاق» العودة إلى الناقش عبر المسار العسكري ولجنة «5+5» التي يفترض أن تجتمع في وقت لاحق الشهر الجاري، للتفاهم على وضع جديد للمرتزقة والقوات الأجنبية، خاصة أن مهلة الأشهر الثلاثة لتجميعهم وحصرهم تمهيداً لإخراجهم من البلاد، انتهى منها نحو شهرين دون أيّ تقدم ملحوظ على الأرض.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا