لم يُترجَم التفاؤل الأممي الذي ساد في الأيام الأخيرة على الأرض الليبية، بل ها هو يتراجع يوماً بعد آخر. ومع أن المؤشّرات الإيجابية كانت متزايدة، وخاصة مع إنهاك طرفي الصراع عسكرياً، لكن بوادر خلافات داخلية، إلى جانب أزمات تَعرّض لها كثير من القيادات، دفعتهم إلى العدول عن الاتجاه نحو التوافق وإبقاء الوضع على ما هو عليه الآن.اللافت أن هذه المتغيّرات تتزامن مع عودة الحشد العسكري، سواء على صعيد المرتزقة والأسلحة التي ترسلها تركيا عبر البحر والجو، أو مصر والخليج بعدما وصلت بعض المعدّات العسكرية إلى قوات المشير خليفة حفتر. مع ذلك، تتواصل المباحثات العسكرية للجنة «5+5» التي تجمع ممثلين عن حكومة «الوفاق الوطني» وحفتر، لبحث تسهيل التحرّك بين المناطق، الأمر الذي طُبّق فعلياً مع إقرار الجانبين خطوات تنظيمية داخلية، بينها الالتزام بأرقام اللوحات وإزالة ما يُخفي محتويات السيارات العسكرية.
لكن، في المقابل، سُجّل تجدّد السجالات بين «الوفاق» وحفتر، بعدما اتهمت الأولى الثاني بالسعي إلى إفساد وقف النار وتحريك القوات على أكثر من محور تمهيداً لشنّ هجوم على العاصمة طرابلس وبعض المناطق، وهو ما نفاه المتحدث باسم قوات حفتر، واصفاً تلك التصريحات بأنها «ذريعة لعودة الاشتباكات». وبالتزامن مع ذلك، أخفقت الجولة الثانية من الحوار السياسي في تونس في التوصّل إلى آلية لتسمية المرشّحين للمناصب التنفيذية، جرّاء استمرار الخلافات في شأنها، علماً بأن المحاولات الأممية لحسم الخلافات عبر الاتصالات الافتراضية بين ممثلي الأقاليم الليبية لم تفلح إلى الآن، وسط توقّعات باستمرار التفاوض حتى بداية العام المقبل.
أخفقت الجولة الثانية من حوار تونس في حسم تسمية المرشحين للمناصب التنفيذية


تفتقر المحادثات حتى اللحظة إلى وجود قوى ضاغطة، ليس بسبب غياب التوافق الدولي على ما يجب أن يجري في ليبيا فقط، بل ارتباطاً بانتظار موقف الإدارة الأميركية الجديدة التي يُتوقع أن تلقي بثقلها في الملف، وخاصة بعد الخلاف حول الدور الألماني الذي وصفته تركيا بأنه «منحاز»، علماً بأن برلين كانت وفق مراقبين من أكثر العواصم الأوروبية التي تسعى إلى حلول توافقية تدعم المسار السياسي. وهذه المرّة، عبّرت المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، علناً، عن هشاشة الوضع وخطورته حتى اللحظة، مع الأخذ في الحسبان أن غياب الحلّ العملي لآلية الترشّح والاختيار في السلطة التنفيذية الجديدة يمثل أصعب المحطّات أمام إجراء الانتخابات العامّة المقرّرة نهاية العام المقبل.
أمّا على مستوى المباحثات بين نواب البرلمان الجارية في المغرب، فتبدو الأمور متشابهة في التعقيدات. إذ بعد إرجاء الدعوة المصرية للبرلمان الليبي إلى الانعقاد في القاهرة، تتواصل اللقاءات التشاورية بين البرلمانيين الليبيين في طنجة، في ظلّ مساعٍ إلى اعتماد مسوّدة جديدة، من شأنها إنهاء النقاط العالقة في الحوار الأممي. ويتّجه النواب إلى اعتماد جلسة في مدينة غدامس بدلاً من القاهرة، بعدما وجدوا فيها المكان الأنسب لتقريب وجهات النظر وتجنّب الانحياز إلى طرف على حساب آخر. والجدير ذكره، هنا، أن المشاورات الجارية الآن هي الأضخم في العدد بين البرلمانيين الليبيين منذ 2014، عام انعقاد آخر جلسات البرلمان الذي تعوّل عليه الأمم المتحدة في دعم المفاوضات الجارية برعايتها. وفي حال نجاح انعقاد جلسة في غدامس، يُتوقع أن تشهد بدورها عدداً من السجالات، وخاصة مع ترقب موقف البرلمان من الاتفاقات التي وقّعتها «الوفاق» مع تركيا، والتي يشكل الموقف منها حجر عثرة أمام حلّ نهائي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا