الجزائر | لم يصدّق كثير من الجزائريين، الحديث المتداول عن وفاة الفريق أحمد قايد صالح، والذي ملأ مواقع التواصل الاجتماعي، صبيحة أمس، إلى أن أكّدت وكالة الأنباء الرسمية الخبر في حدود الساعة العاشرة والنصف في شريطها العاجل. ونُشر بعد ذلك، خبر مقتضب ورد فيه أن الفريق أحمد قايد صالح، انتقل إلى رحمة الله على إثر سكتة قلبية ألمّت به في بيته، ونُقل إلى المستشفى المركزي للجيش في عين النعجة في العاصمة. وكان آخر ظهور علني للفريق أحمد قايد صالح، يوم الخميس الماضي، خلال حفل تنصيب الرئيس الجديد، حين ظهر في الصف الأول وحرص على متابعة كل تفاصيل أداء الرئيس عبدالمجيد تبون لليمين الدستورية. ولم تظهر على قايد صالح الذي كانت الكاميرات تركّز عليه، آثار تعب أو إرهاق، فيما حرص تبون على دعوته إلى المنصة من أجل تقليده أعلى وسام في الجمهورية، في مشهد أثار الكثير من التعليقات بالنظر إلى الحميمية التي تبادل بها الرجلان التحية.
أمس، بدا الرئيس الجديد مصدوماً من خبر وفاة قايد صالح، في الرسالة التي نشرها عقب ذلك بساعة، وهو الذي كان جالساً معه قبل أربعة أيام فقط في حفل أداء اليمين الدستورية. وقال تبون: «إنها لفاجعة أليمة قاسية أن تودّع الجزائر في هذا الوقت بالذات، وعلى حين غرّة، قائداً عسكرياً بمآثر وخصال الفريق أحمد قايد صالح». وأضاف أنه «المجاهد الذي صان الأمانة وحفظ الوديعة وأوفى بالعهد في فترة من أصعب الفترات التي اجتازتها البلاد لِما حباهُ الله به من حكمة وتبصّر وصفاء ووفاء للجزائر».
لكن الرئيس تبون، خرج سريعاً من دائرة الانفعال العاطفي، وكان مُجبراً على اتخاذ قرار سريع لتعويض المنصب الذي لا يجب أن يبقى شاغراً في المؤسسة العسكرية لأن كل الأوامر تنطلق منه. لذا، تمّ تعيين اللواء سعيد شنقريحة قائد القوات البرية، في مكان الفريق أحمد قايد صالح، بشكل مؤقت. واللواء الجديد، معروف بأنه واحد من أهم صانعي القرار في المؤسسة العسكرية، ومن الشخصيات العسكرية التي تملك مساراً حافلاً، فقد كان قائداً للناحية العسكرية الثالثة في الجنوب الغربي للجزائر، وهي منطقة محاذية للمغرب الذي تعرف العلاقة بينه وبين الجزائر حالة عدم استقرار سياسي منذ سنوات طويلة.
والمتعارف عليه في تقاليد المؤسسة العسكرية الجزائرية، أن يتم اختيار رئيس أركان الجيش من قادة القوات البرية التي تضمّ النسبة الأكبر من تعداد الجيش. فقد سبق للفريق قايد صالح، وكذلك اللواء خالد نزار واللواء محمد العماري، أن كانوا قادة القوات البرية ثم جرى تعيينهم في منصب رئيس أركان الجيش. لذلك، كان متوقّعاً في حال غياب الفريق قايد صالح، أن يعوّضه اللواء سعيد شنقريحة الذي تربطه به علاقة جيدة، فقد كان الوحيد من قادة النواحي العسكرية الذي نجا من عملية الإقالات الواسعة التي شهدتها المؤسسة العسكرية عام 2018، في وقت تعرّض فيه قادة آخرون للمحاسبة ودخل بعضهم السجن ولاذ آخرون بالفرار.
وفي الجانب السياسي، ينتظر أن تكون لرحيل قايد صالح تداعيات على المرحلة المقبلة، فقد كان حضور الرجل طاغياً على المشهد، كما كان من المتوقّع أن يبقى في منصبه في الحكومة التي يعمل على تشكيلها الرئيس الجديد هذه الأيام. لكن المعادلة انقلبت اليوم تماماً بغيابه، ما سيجعل الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، في مواجهة مباشرة مع الحراك الشعبي ومطالبه. وقد يؤدي الوضع الجديد، إلى تسهيل مهمّة تبون، في تلبية بعض المطالب مثل إطلاق سراح سجناء الرأي والدعوة لحوار مع قوى اتخذت موقفاً راديكالياً في السابق من قيادة المؤسسة العسكرية.
في الجانب السياسي ينتظر أن تكون لرحيل قايد صالح تداعيات على المرحلة المقبلة


ويعيب منتقدو الفريق قايد صالح عليه، طريقته في تسيير فترة ما بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، إذ عارض كل توجّه أو مبادرة كانت تصبّ في تحقيق مطالب الحراك الشعبي، برحيل رئيس الدولة والوزير الأول المحسوبين على الرئيس السابق. كذلك، يعيبون عليه فرض منطقه عبر الدعوة إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية وتحديد موعدها من دون استيفاء الشروط التي تتيح ظروف الشفافية والنزاهة. ويرى منتقدوه أنه عمل، خلال الفترة السابقة، على تجديد واجهة النظام وإعاقة التطلّع الديمقراطي للحراك الشعبي. لكن في المقابل، يقول أنصار الفريق ومحبّوه، إن التاريخ سيشهد له أنه أوفى بتعهّده بعدم إراقة قطرة دم واحدة للجزائريين بعد الإطاحة بالرئيس، وجنّب الجزائر ما يعتبرونه متاهة الدخول في مرحلة انتقالية عبر التمسّك بالحل الدستوري لمعالجة الأزمة. كذلك، ساهم الراحل، بشكل فعّال، في إدخال كبار المسؤولين السابقين في الدولة إلى السجن وملاحقتهم بتهم فساد، وهو حدث لم يكن ليتحقق وفق المدافعين عن قايد صالح، لولا التزام المؤسسة العسكرية بمحاربة الفساد.