الجزائر | تعرّض المرشحون، في أول أيام الحملة الانتخابية في الجزائر، لمضايقات من رافضي تنظيم الانتخابات، إذ احتشد مواطنون أمام مقرّ التجمّع الذي عقده المرشح الرئاسي، علي بن فليس، في تلمسان في أقصى غرب البلاد، وأطلقوا صيحات استهجان. وهو عين ما حدث للمرشح عبد القادر بن قرينة في البريد المركزي في قلب العاصمة. وأمام هذا الجوّ المشحون في الشارع، اختار عبد المجيد تبون، أحد أبرز المرشحين للفوز، أن ينظم تجمّعاً مغلقاً في أحد فنادق العاصمة، فيما آثر المرشحان الآخران، عز الدين ميهوبي وعبد العزيز بلعيد، زيارة أكبر زوايا جنوب البلاد في أول يوم لحملتَيهما الانتخابيتَين، بعيداً عن صخب المدن الكبرى. ويوحي المشهد الذي ارتسم في بداية الحملة الانتخابية بصعوبة بالغة لدى المرشحين في التواصل مع المواطنين، في ظلّ سيطرة فكرة رفض الانتخابات على قطاع واسع من الشارع المشارك في الحراك الشعبي. وعمدت مديريات المرشحين إلى تجنب الاحتكاك المباشر مع المواطنين، وبرمجة لقاءات تكون دعواتها مضبوطة مسبقاً لتفادي أيّ مفاجأة غير سارة. أما السلطة، فاختارت أسلوب الردع، من خلال القيام بحملة اعتقالات مسّت كلّ من يحاول عرقلة تجمّعات الحملة الانتخابية. وأصدرت وزارة الدفاع بياناً في هذا الشأن، يؤكد أن قيادة الجيش اتخذت كلّ الإجراءات الأمنية والترتيبات الضرورية لتوفير الظروف المناسبة لسير العملية الانتخابية، وأنها ستعمل على تمكين المواطنين والمرشحين من التحرك والتعبير في جوّ يسوده الاطمئنان والأمن عبر مختلف أرجاء الوطن عشيّة انطلاق الحملة الانتخابية.
ويحمل هذا البيان في طيّاته إشارة إلى أن الجيش لن يتسامح مع عرقلة العملية الانتخابية، وذلك في ردّ على ما يتردّد في تظاهرات الحراك الشعبي الرافضة بقوة لتنظيم الانتخابات. ففي يوم الجمعة الأخير، هدّد متظاهرون بالخروج يوم الانتخابات ومنع تنظيمها، وهي فكرة باتت تلقى رواجاً في أوساط الرافضين للعملية. وازداد غضب المتظاهرين بعد ظهور المرشحين الرسميين الذين يُحسب جلّهم على فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما عزّز قناعتهم بأن الانتخابات ستأتي برئيس يعمل على استنساخ النظام الحالي. وفي الأيام الأخيرة، سُجّلت بعض المناوشات بين الرافضين والمؤيدين في عدد من الولايات، ما ولّد مخاوف من وقوع صدام أيام الحملة الانتخابية التي يراها الرافضون بمثابة استفزاز لهم.
من الواضح أن التنافس سيتركّز بين تبون وبن فليس


وعملت السلطة، منذ بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، على عدم ترك صوت الرافضين للانتخابات وحيداً في الشارع، فقد ظهرت بالمثل مسيرات مساندة لتنظيم الانتخابات في عدد من الولايات، حظيت بتغطية واسعة في وسائل الإعلام العمومية، على الرغم من أن عدد المشاركين فيها ليس كبيراً. ويرى متابعون أن السلطة تريد، من خلال هذه الدعاية، محاولة ضمان الحدّ الأدنى من المشاركين، من أجل إعطاء مصداقية للانتخابات، خصوصاً في أعين الخارج الذي يراقب بصمت ما يجري داخل البلاد. وعلى هذا الأساس، تمّ تغييب كل الأصوات السياسية الرافضة لتنظيم الانتخابات من وسائل الإعلام العمومية والخاصة، مع اعتقال الرؤوس المؤثّرة في الحراك الشعبي خلال الأسابيع الماضية، في استراتيجية يبدو الهدف منها تمرير الانتخابات الرئاسية.
وفي ظلّ الاحتقان الحاصل، تبدو مَهمة المرشحين الخمسة صعبة في إبراز برامجهم وإظهار تصوّراتهم لكيفية الخروج من الأزمة، لكن ثمة قناعة لديهم بأن الانتخابات، على رغم معارضة الحراك لها، ستمرّ هذه المرة عكس سابقاتها، ما يجعلهم مقتنعين بإكمال المنافسة في كلّ الظروف. وفي محاولة منه لمغازلة الحراك الشعبي، قال علي بن فليس، وهو من أبرز المرشحين، إن الانتخابات «لن تكون مثالية نظراً للظروف الحالية»، مشيراً إلى أن «عدم تنظيم هذه الانتخابات سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية». أما منافسه، تبون، فيحاول من خلال ظهوره الإعلامي التركيز على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، متفادياً تماماً الخوض في المسائل السياسية الإشكالية، خصوصاً في ما يتعلق بدور الجيش في المرحلة المقبلة.
ومن الواضح أن التنافس سيتركّز في ما بين تبون وبن فليس، اللذين بدآ حملتَيهما الانتخابيتَين مبكراً، إذ اتهم الثاني الأول بمحاولة إحياء مشروع العهدة الخامسة للرئيس السابق كونه كان من مسانديه. ويستقطب المرشحان، حتى الآن، العدد الأكبر من الأحزاب المساندة لتنظيم الانتخابات، ما قد يدفع الأخيرة إلى دور ثانٍ مفتوح على كلّ الاحتمالات. وفي الانتظار، لا يبدو المشهد واضحاً بخصوص من هو «مرشح النظام» الحقيقي، ما دام جلّ المرشحين لا ينتمون إلى المعارضة. لكنّ كثيرين يرجحون أن يحظى تبون بدعم خفي، كونه أكثر المرشحين قرباً من قيادة المؤسسة العسكرية، كما أن له امتداداً قوياً في الإدارة التي لا تزال تمتلك تأثيراً على الرغم من إبعادها من الجوانب التقنية لتنظيم الانتخابات.