حطّ، أمس، وزير الخارجية الألماني في ليبيا لنقاش مسار تنظيم «ندوة برلين»، التي لم تتحدّد ملامحها النهائية بعد، شأنها شأن دور الأمم المتحدة في حلّ الأزمة التي يمرّ بها البلد البترولي. وفي مؤتمر صحافي جمعه بوزير الخارجية في حكومة «الوفاق»، محمد الطاهر سيالة، والمبعوث الدولي الخاص، غسان سلامة، قال هايكو ماس إن بلاده تأمل الوصول إلى سلام نهائي في ليبيا، واضعاً شرطين لذلك هما: إيجاد تفاهمات بين الأطراف المتنازعة من دون تدخل خارجي يعتبره «سبباً للأزمة»، ودعم خطة الأمم المتحدة والذي عدّه «شرطاً مسبقاً لإنعاش العملية السياسية». بدوره، أشار سلامة إلى أنه يوجد «تقدم جيد» في عملية التحضير لندوة برلين التي اعتبرها «مسيرة جدية من دول فاعلة لإعادة ترميم الموقف الدولي في ليبيا». وعلى رغم هذا التطمين الوارد على لسان المبعوث الأممي، يبدو أن مجريات تنظيم الندوة تسير بخطى متثاقلة، وتشهد تنازعاً حول مسائل أساسية، من أهمها تحديد موعد اللقاء وقائمة الدول المدعوّة.عند الإعلان عن نية ألمانيا تنظيم ملتقى حول ليبيا قبل حوالى شهرين، كان يجري الحديث عن بضعة أسابيع، لكن لم يحصل شيء حتى الآن، بخلاف اجتماعات تنسيقية التأم أهمها على هامش الجلسة العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي، وانتهى ببيان حمل نقاطاً متضاربة. اليوم، يجري الحديث عن تأجيل الندوة إلى شهر كانون الأول/ ديسمبر، فيما تقول مصادر دبلوماسية أخرى إن التأجيل قد يصل إلى نيسان/ أبريل المقبل. أما في ما يخص الدول المدعوّة، فيعطي الاجتماع التنسيقي على هامش جلسة الأمم المتحدة فكرة عما يدور في كواليس الدبلوماسية. حضرت حينها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، تضاف إليها إيطاليا ومصر والإمارات وألمانيا، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي والممثل السامي للاتحاد الأوروبي. احتجّت وقتها حكومة «الوفاق» على هذه التركيبة، على اعتبار أنها تُقصي دولاً فاعلة داعمة لها. ورداً على الاحتجاج، تسرّبت معلومات حول نية ضمّ تركيا إلى قائمة الدول المدعوّة، وهي أبرز داعمي «الوفاق» على المستويين السياسي والعسكري منذ انطلاق الهجوم على طرابلس، لكن ذلك لم يكن كافياً. قبل أيام، أدلى مفوض السلام والأمن في الاتحاد الأفريقي، إسماعيل شرقي، بتصريح على هامش قمة سوتشي، شدّد فيه على ضرورة دعوة الدول المجاورة لليبيا، بصفتها متضررة من الحرب. تشديد المنظّمين على صيغة حضور الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، زائد خمس دول أخرى، تبنّاه أيضاً مبعوث حكومة «الوفاق» إلى دول المغرب العربي، جمعة القماطي. إذ قال الأخير في تغريدة على حسابه في «تويتر» إن حضور «دولتين عربيتين فقط داعمتين لحفتر أمر مخلّ»، وأضاف إن على «حكومة الوفاق الضغط بقوّة لمشاركة الدول المغاربية كذلك، فهي معنيّة تماماً بما يجري في ليبيا».
لا تعود أسباب تأجيل ندوة برلين إلى الاختلاف حول قائمة الدول المدعوّة فقط


مع ذلك، لا تعود أسباب تأجيل ندوة برلين إلى الاختلاف حول قائمة الدول المدعوّة فقط، بل ترتبط أيضاً بتضارب أجندات الدول الداعمة لطرفَي النزاع وإيمانها بالحرب. من جهة، تقول عدة مصادر إن خليفة حفتر، ومن ورائه الإمارات ومصر أساساً، يرى إمكانية تحقيق نصر عسكري، أما مسألة التفاوض فهي مؤجلة لترتيبات ما بعد دخول طرابلس، وترتبط بمسألة تشكيل حكومة ونزع سلاح الخصوم. ومن جهة ثانية، ترى حكومة «الوفاق»، ومن ورائها تركيا، أنه يمكنها دحر قوات حفتر وشلّها هيكلياً، ومن ثمّ يبدأ التفاوض، أو أن يبدأ التفاوض بعد أن تنسحب قوات حفتر من المواقع التي سيطرت عليها جنوب طرابلس. هذه الأجندات التي يعبّر عنها أطراف النزاع علانية، ويتبنّاها داعموها الخارجيون ضمناً، ستعطّل خطة الأمم المتحدة التي اعتبرها وزير الخارجية الألماني «شرطاً مسبقاً لإنعاش العملية السياسية». وتقوم خطة سلامة، وفق ما يُتداول في الأوساط الدبلوماسية، على عقد «ملتقى وطني» بالتوازي مع مؤتمر برلين، تحضره الأطراف الليبية. وهو ملتقى كان سيُعقد في الأصل منتصف نيسان/ أبريل الماضي، لكن استبقه حفتر بشنّ هجومه على العاصمة.
تدريجياً، تتكشّف ملامح ندوة برلين، لكن لا تزال هناك تفاصيل مهمة في انتظار الحسم، من أهمها تركيبة الدول المدعوّة وخاصة إشراك دول الجوار، وسيكون هذا الموضوع مطروحاً أيضاً على طاولة الحوار أثناء لقاء وزير الخارجية الألماني بنظيره التونسي اليوم، ولهذا الأمر تأثير على مضمون الندوة. أما خطة سلامة لعقد ملتقى وطني يجمع طيفاً واسعاً من الفاعلين الليبيين، من بينهم البلديات والمجتمع المدني، فيرتبط بنجاح ما سيحصل في برلين. العنصر الأهم في هذا البرنامج هو وضع آلية لضمان تطبيق المخرجات، تجنّباً للمصير الذين لقيته التفاهمات السابقة في الصخيرات المغربية وباريس وباليرمو وأبو ظبي.