الجزائر | تشهد الجزائر موجة اعتقالات واسعة تستهدف القيادات الطلابية وأبرز نشطاء المجتمع المدني والشخصيات السياسية والإعلامية المعروفة. وكانت تظاهرات يوم الثلاثاء ساحة لاعتقال العشرات من الطلبة وبعض الصحافيين والناشطين الذين دأبوا على المشاركة في مسيرات الطلبة. وقبل ذلك، شهد يوم الجمعة الماضي، أيضاً، اعتقال نشطاء ينتمون إلى منظمات معروفة برفضها لطريقة تسيير السلطة للأزمة. وكان من بين المعتقلين، حكيم عدّاد، وهو الرئيس السابق لجمعية «راج»، وأحد المنتمين إلى تكتل «البديل الديموقراطي»، صاحب الخطاب الراديكالي تجاه السلطة الحالية. وأصبح جلّ المعتقلين بسبب نشاطهم السياسي يودَعون «الحبس المؤقت»، مع توجيه تهم إليهم تتنوّع ما بين «نشر منشورات تهدد الوحدة الوطنية»، أو «إضعاف معنويات الجيش»، أو «التحريض على التجمهر». وهي تهم تقول هيئات دفاع المعتقلين إنها في مجملها فضفاضة، بما يُثبت بحسبها أننا أمام «معتقلين سياسيين». ومن أبرز مشاهير المحبوسين حالياً، القائد الثوري المعروف بنزعته القومية لخضر بورقعة، والكاتب فضيل بومالة، والناطق باسم حزب «الاتحاد الديموقراطي الاجتماعي» كريم طابو. وباءت كل محاولات الإفراج عنهم بالفشل، إذ يتمسّك القضاء بالإبقاء عليهم داخل السجن إلى غاية محاكمتهم، وهو أمر بات مُقلقاً بالنسبة إلى جمعيات حقوق الإنسان التي ترى أن هناك إفراطاً في استعمال الحبس المؤقت، رغم أن الدستور قلّص هذا الإجراء في الحالات الاستثنائية فقط.
ومع اقتراب موعد الرئاسيات، بات اتجاه السلطة واضحاً في محاصرة كلّ من يرفض الانتخابات تحت أي مبرّر، وهو ما يَظهر من هوية المعتقلين. وفي آخر بيان لها، أوضحت «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان» أن عدد المعتقلين بلغ المائة شخص، مُنبّهةً إلى أن هذا التصعيد ستكون له تداعيات خطيرة على المستقبل. لكن السلطة ترفض، في المقابل، أن يجري أيّ تشويش على الانتخابات الرئاسية التي تعتبرها الطريق الوحيد الآمن للجزائر، كما ترفض بالمطلق مبررات من لا يريدون تنظيمها. وقالت مجلة الجيش، لسان حال المؤسسة العسكرية، في افتتاحيتها أمس، إن الانتخابات المقبلة ستجري في ظروف مختلفة تماماً عن المواعيد السابقة. وأضافت، في مقطع آخر، أنه «لن يكون بوسع المشكّكين والخائفين على الجزائر من جيشها ومن انتخابات رئاسية السباحة عكس التيار الشعبي الجارف والاصطياد في مياه عكرة».
ظهر العديد من المرشحين من الأسماء المعروفة، سواء المستقلة أم المنتمية إلى أحزاب


هذه الثقة التي تتحدث بها المؤسسة العسكرية عن تنظيم انتخابات نزيهة، لم تجد صدى واسعاً لدى الأحزاب السياسية التي تبنّى عدد كبير منها موقفاً حذراً. فمن جانب الإسلاميين، أعلن أكبر حزبين هما «حركة مجتمع السلم» و«جبهة العدالة والتنمية» رفضهما المشاركة بمرشحين عنهما، حتى وإن قالا إنهما لا يُعارضان تنظيم الانتخابات، وهو موقف رأت فيه بعض القراءات محاولة للإمساك بالعصا من الوسط، إرضاءً للحراك من جهة، وتجنّباً للوقوع في فخّ المواجهة مع المؤسسة العسكرية من جهة أخرى. أما أحزاب «البديل الديموقراطي» التي ينتمي معظمها إلى تيار اليسار فأعلنت أنها ترفض هذه الانتخابات وتدعو إلى مقاطعتها انسجاماً مع موقف الحراك. ومن منظور هذه الأحزاب، فإن الجزائر بحاجة إلى مرحلة انتقالية يتم فيها الشروع في مسار تأسيسي يتم من خلاله تعديل الدستور الحالي وإعداد الإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات قبل الذهاب إلى الصندوق. وهي تنطلق من فكرة أن أي رئيس يأتي في ظلّ الدستور الحالي، بالصلاحيات الواسعة التي يتيحها، سيكون مشروع «ديكتاتور» جديد.
لكن على الطرف الآخر، ظهر العديد من المرشحين من الأسماء المعروفة، سواء المستقلة أم المنتمية إلى أحزاب. ومن أبرز هؤلاء رئيسا الحكومة السابقان، عبد المجيد تبون وعلي بن فليس، بالإضافة إلى وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي الذي يقود حالياً حزب «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية»، وعبد العزيز بلعيد رئيس «جبهة المستقبل». كما يوجد من الإسلاميين عبد القادر بن قرينة رئيس حركة «البناء» ذات التوجه «الإخواني». واختلطت الأوراق على المراقبين في مَن يكون مرشح النظام في ظلّ وجود عدة أسماء قريبة من السلطة، وتأكيد المؤسسة العسكرية في المقابل أنها لن تدعم أي مرشح. وشهد أول من أمس أول إطلالة لعبد المجيد تبون، الذي تقلّد عدة مناصب وزارية زمن الرئيس السابق، ختمها برئاسة الحكومة لمدة 3 أشهر قبل أن تتم إقالته على خلفية صراعه مع رجال أعمال نافذين. وحاول تبون الترويج لسردية أنه كان ضحية لمحيط الرئيس السابق القريب، عارضاً الخطوط العريضة لبرنامجه، في وقت يظن فيه كثيرون أن هذه الشخصية ستكون مدعومة بقوة من جهات في السلطة، باعتبارها الخيار الأكثر أماناً بالنسبة إليها.
وكان مولود حمروش، وهو شخصية سياسية يتم تداول اسمها بكثرة شعبياً لقيادة المرحلة المقبلة، قد رفض أن يكون مرشحاً في الرئاسيات، وخاطب جمعاً من المواطنين أتوا إلى بيته بأن الرئيس المقبل في ظلّ المنظومة الحالية لن يستطيع فعل شيء. ويشير كلام حمروش، الذي كان رئيس حكومة الإصلاحات بداية التسعينيات، إلى أن النظام الحالي لا يزال متحكّماً بصناعة القرار، ما يجعل هامش المناورة لدى الرئيس المقبل محدوداً.