منذ الرابع من نيسان/ أبريل، تاريخ إطلاق الهجوم للسيطرة على طرابلس، تصدُر يومياً تصريحات لقيادات من القوات الموالية للمشير خليفة حفتر حول قرب انتهائها من «تحرير العاصمة» و«تطهيرها من الإرهاب». مع كلّ يوم يمضي، تجد هذه القيادات حججاً جديدة لتبرير فشلها، لعلّ أبرزها عدم الرغبة في إيذاء المدنيين، وهذا صحيح، لكنه لا يعود إلى دوافع إنسانية بقدر ما يرتبط بمعركة الرأي العام. إذ إن خطة قوات حفتر لخلق رأي عام مساند لها داخل طرابلس وبقية مدن غرب البلاد ترتكز على أسس عدة، أهمها إبراز تفهّم لمعاناة الناس من الفوضى الأمنية، وبثّ الروح في المناطق والكيانات التي تضرّرت من سقوط نظام معمر القذافي. وفيما كان ردّ فعل أغلب سكان غرب البلاد بارداً تجاه دعوات التظاهر والاحتجاج على حكومة «الوفاق» وأجهزتها والتعاون ضدها، ركب أغلب مساندي النظام السابق موجة الهجوم، وانضمّوا إلى قوات حفتر، لكن يبدو أنهم بصدد دفع ثمن مراهنتهم على الحرب. قبل ثلاثة أيام، اغتيل الناطق باسم «المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية»، وآمر إحدى سرايا «مجموعة عمليات الردع»، خالد أبو عميد، عندما كان في إحدى جبهات القتال، وقُتل معه أيضاً عدد من أتباعه. وينتمي أبو عميد إلى قبيلة ورشفانة التي تقطن عدداً من المدن جنوبي طرابلس، وجزء كبير منها موالٍ للنظام السابق ولا يزال يؤمن بأطروحاته، وقد كانت من بين مؤسّسي ما يعرف بـ«جيش القبائل» قبل أعوام، وتعرضت لهجمات مسلحة من مجموعات أمنية تتبع حكومة طرابلس أدت إلى مقتل عدد كبير من أفرادها. وأبو عميد ليس أول من يتعرض لعملية تصفية داخلية، إذ سبقه العميد مسعود الضاوي وعدد من معاونيه، الذين ينتمون إلى القبيلة نفسها وتعرّضوا للقتل على أيدي الجهات عينها، التي تقول الأخبار الرائجة إنها تنتمي إلى مدينة ترهونة. ثمة أيضاً ضحايا «قذافيون» من خارج قبيلة ورشفانة قُتلوا في تصفيات داخلية، وأبرزهم آمر «لواء العروبة»، محمد الشتيوي، من مدينة صبراتة الساحلية غربي العاصمة، وكذلك القيادي العسكري من مدينة بني وليد، محمد النقه.
القيادات الاجتماعية لمدينة ترهونة تريد الهيمنة على جبهات القتال في طرابلس


عمليات التصفية تركت آثاراً سلبية داخل قبائل الضحايا، وصلت إلى حدّ التهديد بالتصعيد ضدّ قبائل ومدن أخرى. واعترفت قيادة قوات حفتر، على لسان المتحدث باسمها، العقيد أحمد المسماري، بأن عمليات القتل لم تحصل على يد قوات حكومة «الوفاق»، بل جرت داخلياً، لكنها نسبت ذلك إلى أشخاص «ينفذون اغتيالات مقابل أموال»، وقالت إنها «تملك ملفات بأسمائهم» وسيجري كشفهم. تبدو قيادة قوات حفتر مترددة في كشف الطرف المسؤول عن الاغتيال، لكن الروايات المتداولة تشير إلى مسؤولية تشكيلات من مدينة ترهونة التي يسيطر عليها أمنياً «اللواء التاسع»، وهو ميليشيا تعرف باسم «الكانيات»، نسبة إلى عائلة الكاني التي تقودها، أُعيد تدويرها وإعطاؤها اسماً جديداً مع بداية الهجوم على طرابلس.
وتشير هذه التطورات إلى أن الميليشيا، ومن ورائها القيادات الاجتماعية لمدينة ترهونة، ربما كانت تريد الهيمنة على جبهات القتال في طرابلس، عبر إقصاء أنصار نظام القذافي الذين يخالفونها التوجه. وتطرح علاقة قيادات ترهونة بخليفة حفتر عدة تساؤلات، خاصة أنها ترفض تحويل المدينة إلى مركز يجمع كلّ القوات المهاجمة للعاصمة وتلزمها بالتمركز خارجها. وتبدو رهانات ترهونة على الحرب مرتبطة بتحصيل مكاسب لأبنائها أكثر من ارتباطها بمشروع حفتر للسيطرة على كامل البلاد، ولا سيما أنها سبق أن هاجمت طرابلس بمفردها العام الماضي في حرب امتدت شهراً وانتهت بهدنة. وقد تشهد الفترة المقبلة تحولاً في موقف المدينة من الحرب، خاصة مع تسرب أخبار من داخل حكومة «الوفاق» تفيد بوجود حوارات مع قياداتها لتحييدها وإبعادها عن حفتر (مقابل إغراءات مادية ومناصب أمنية وحكومية).
تؤثر هذه التوترات بجبهات طرابلس، وقد فشلت في اليومين الماضيين محاولات قوات حفتر لإحراز تقدم. ويجري الآن التعويل على الطيران المسيّر أكثر من المواجهات الميدانية المكلفة، وقد قُصف مطار مدينة زوارة والكلية الجوية في مصراتة ومطار معيتيقة في طرابلس بحجة وجود منظومات طيران مسيّر تركي تعمل إلى جانب «الوفاق». لكن عمليات قوات حفتر الجوية، التي تجري بطائرات مسيّرة تملكها الإمارات، تبدو غير كافية لإحداث نقلة نوعية في مسار الحرب. أول من أمس، نشرت قناة «ليبيا الأحرار»، الموالية لـ«الوفاق»، خبراً منقولاً عن مسؤولين رسميين حول وجود عسكريين فرنسيين في منطقة رأس لانوف النفطية وسط البلاد، وقالت إنهم يعملون على تركيب محطة تشغيل طيران مسيّر في مطار يتبع ميناء السدرة. إن كان الخبر صحيحاً، فإنها ستكون المرة الأولى التي تتولى فيها فرنسا هذا النوع من العمليات، بعدما كان دعمها لقوات حفتر متركزاً على جمع المعلومات وبعض الأسلحة، على غرار تسخير طائرة استخبارية أثناء الحرب في مدينة درنة شرق البلاد، وصواريخ «جافلين» المضادة للدروع التي حُجزت في مدينة غريان.