الجزائر | أعلن المجلس الدستوري الجزائري، أمس، استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في 4 تموز/ يوليو المقبل، بعدما رُفض ملفّا الترشح المودعَين لديه في إطار هذه الانتخابات. قرارٌ كان متوقعاً، بالنظر إلى أن من تَقدّم بالترشيح شخصان فقط، لا يُعرف لهما أي مسار سياسي، أحدهما مهندس والآخر تاجر، ما يجعلهما غير قادرين على جمع التواقيع اللازمة لاعتماد الملف، والتي يحددها قانون الانتخابات بـ60 ألف توقيع لمواطنين عاديين، أو 600 توقيع لمنتخبين محليين. وحدّد المجلس الدستوري الخطوة المقبلة، بعد إلغاء الانتخابات، باستدعاء رئيس الدولة الهيئةَ الناخبة من جديد، ما يعني ــــ وفق القانون ــــ إطلاق المسار الانتخابي الذي يبدأ بمراجعة القوائم الانتخابية، وفتح باب الترشيحات، وصولاً إلى تنظيم الانتخابات في ظرف 3 أشهر. غير أن الإشكال في ما أعلنه «الدستوري» هو أن نهاية فترة الرئيس المؤقت، عبد القادر بن صالح، ستكون في 9 تموز/ يوليو، ما يعني عدم امتلاكه الوقت الكافي لتنظيم الانتخابات الجديدة، وهو مأزق حاول المجلس معالجته في البيان نفسه، بفتوى تبيح لبن صالح الاستمرار في رئاسة الدولة إلى ما بعد نهاية فترته. وذكر المجلس، في فتواه، أن «الدستور أقرّ أن المهمة الأساسية لِمَن يتولّى وظيفة رئيس الدولة هي تنظيم انتخاب رئيس الجمهورية، لذلك فإنه يتعين تهيئة الظروف الملائمة لتنظيمها وإحاطتها بالشفافية والحياد». ومن أجل هذه الغاية، أضاف أنه «يعود لرئيس الدولة استدعاء الهيئة الانتخابية من جديد، واستكمال المسار الانتخابي حتى انتخاب رئيس الجمهورية وأدائه اليمين الدستورية». وتلقى هذه الفتوى معارضة شديدة من خبراء دستوريين مُحايدين، يرون أن التمديد لبن صالح لا يستند إلى أي أساس دستوري، لأن المادة 102 من الدستور واضحة في عدم استمرار بن صالح أكثر من 3 أشهر، وهو الرأي الذي تذهب إليه أستاذة القانون الدستوري فتيحة بن عبو، والقانوني عبد الله هبول، الذي يقول إن إضافة يوم واحد لرئيس الدولة المؤقت هو بمثابة انقلاب.
تتجه الأنظار، بعد فتوى المجلس الدستوري، إلى ما سيصرّح به رئيس أركان الجيش


وبعيداً عن الجانب الدستوري المحض، يُمثل التمديد لرئيس الدولة المؤقت في هذه الفترة، وفق متابعين، تعميقاً للأزمة السياسية أكثر، لأن بقاء بن صالح سينتج ظروف إلغاء انتخابات تموز نفسها، على اعتبار أن مِن أسباب عدم تقدّم مرشحين جادين لهذه الانتخابات هو حالة الرفض العامة في الشارع لإشراف بن صالح ووزيره الأول نور الدين بدوي على الانتخابات، نظراً إلى أنهما امتداد لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي كانت تشهد الانتخابات في عهده تزويراً فاضحاً بحسب المعارضة. وفي أوّل ردود الفعل، استنكر حزب «جبهة القوى الاشتراكية» ما اعتبره «محاولات النظام كسب المزيد من الوقت، من خلال التخطيط للإطالة في وظيفة رئيس دولة غير شرعي وغير شعبي». وأضاف أَقدَمُ حزب معارض في الجزائر أن هذه المناورة، التي وصفها بـ«اليائسة»، «ستعزّز التزام الشعب الحفاظ على هذه الثورة الهائلة، من أجل فرض المخرج الحقيقي لهذه الأزمة السياسية، والذي يمرّ حتماً عبر مرحلة انتقالية ديموقراطية».
وتتجه الأنظار، بعد فتوى المجلس الدستوري، إلى ما سيصرح به رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الذي دأب على توجيه خطاب في كلّ يوم ثلاثاء أو أربعاء. وتُعدّ المؤسسة العسكرية حالياً صاحبة السلطة الفعلية في البلاد، ما يجعلها في نظر كثير من الجزائريين صاحبة المسؤولية في بقاء الواجهة المدنية للحكم المرفوضة شعبياً. لذلك، تغيرت الشعارات والهتافات منذ 4 أسابيع تقريباً، باتجاه رفض الحكم العسكري، والمطالبة بدولة مدنية، ودعوة المؤسسة العسكرية إلى رفع حمايتها عن الرئيس المؤقت والوزير الأول، ورفض أي محاولة منها للتحكم في القرار السياسي. وكان قايد صالح دعا، قبل أسبوع، إلى حوار وطني للبحث في مخارج الأزمة، لكن التساؤلات بقيت تحيط بهذه الدعوة، خاصة في ما يتعلق بموقع رئيس الدولة المؤقت من هذا الحوار. ولم يتأخّر ردّ المواطنين طويلاً، فقد أظهرت المسيرات الأخيرة رفضاً لأي حوار مع بقايا نظام الرئيس السابق، وهو موقف يمكن القياس عليه في توقع ردّ فعل واسع يوم الجمعة المقبل.
ويرى ناصر حمدادوش، القيادي في «حركة مجتمع السلم» (أكبر حزب معارض في البرلمان)، أن الأيام أثبتت فشل بن صالح وبدوي في الإشراف على الحوار الوطني وفي تنظيم الانتخابات الرئاسية، بسبب سقوط شرعيتهما شعبياً. ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن هذا «ما يفرض علينا القراءة الدستورية الموسّعة، بذهاب هذين المسؤولين، واستخلافهما باجتهاد دستوري للإشراف على المرحلة القادمة، ومباشرة الحوار الوطني، ومنها: تنظيم الانتخابات، واستحداث الهيئة الوطنية المستقلة للإشراف على تنظيم الانتخابات». يُذكر أن الكثير من المبادرات والمواقف باتت تتلاقى عند فكرة أن التمسّك بالحل الحرفي والنصّي للدستور لن يساعد على إيجاد مخرج، ما دام الشعب يصرّ على ذهاب رموز فترة بوتفليقة، وعدم الثقة بإشرافهم على هذه المرحلة الحساسة والدقيقة من تاريخ البلاد، وهو ما يستدعي الذهاب إلى حلول سياسية تتجاوز إطار الدستور الحالي.