عند إعلان المشير خليفة حفتر إطلاق حرب «طوفان الكرامة» للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، نهاية الأسبوع الماضي، استفادت قواته من عنصر المباغتة، إذ نجحت في الانتشار في بعض مناطق جنوب العاصمة. لكن القوات الموالية لحكومة «الوفاق الوطني»، التي لم تكن مستعدة للحرب وتشهد نزاعات في ما بينها، تمكنت من لملمة صفوفها واستقدام دعم من مدن حزام طرابلس، خاصة الزنتان ومصراتة والزاوية.سريعاً، حصل توازن في القوى، وبدأ عدد الضحايا في الارتفاع مع اقتراب القوات بعضها من بعض. ففي اليومين الماضيين، دارت أعنف المعارك للسيطرة على «مطار طرابلس الدولي» الذي خرج من الخدمة عام 2014، ومعسكر «اليرموك»، وبعض الطرقات الكبرى التي تقود إلى منافذ رئيسية وسط العاصمة، حيث يقطن نحو مليوني شخص، وتقع جميع مقارّ السيادة.
(أ ف ب )

حتى الآن، لا غلبة لأي من الطرفين، إذ يجري تبادل السيطرة على تلك المنشآت والمناطق، ما يقود إلى تصاعد شدة القتال أكثر، خاصة مع تأكيد الجهتين النزول بكل ثقلهما في الحرب التي يرون أنها حاسمة لتحديد مستقبل البلاد. لكن استمرار الحرب ووقوع الضحايا من شأنهما توجيه أصابع الاتهام إلى حفتر الذي بدأ المعركة، وهو ما تحسبه أمس بالتزامن مع جلسة لمجلس الأمن «تتناول الوضع الإنساني فقط»، كما قال رئيس المجلس، الألماني كريستوف هويسجن، الذي ذكر أنه «لا يوجد مشروع قرار مطروح على طاولة المجلس» حتى الآن.
وفي ظل معركة سياسية، يسعى عبرها المتقاتلون إلى التأثير في القرار الدولي حول الحرب، حاول حفتر تبرير معركته للمجتمع الدولي، إذ وجّه رئيس البرلمان التابع له والمتمركز في شرق البلاد، عقيلة صالح، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، سُربت إلى الإعلام، دافع فيها عن الهجوم على طرابلس، الذي اعتبره عملية تهدف إلى «القضاء على الإرهاب الدولي». وحث صالح، هويسجن، على عدم تصديق «كافة الأقوال التي تشير إلى عسكرة الدولة» التي ستبقى مدنية، مشيراً إلى أن حفتر مُعين من البرلمان المنتخب من الشعب (مع أن الرجل بدأ نشاطه العسكري في إطار «عملية الكرامة» قبل مدة من انتخاب البرلمان).
حاول حفتر تبرير معركته وسقوط الضحايا برسالة إلى رئيس مجلس الأمن


إلى جانب ذلك، أصدر 47 نائباً من البرلمان بياناً إلى المجتمع الدولي ومجلس الأمن حثوا فيه الدول على قطع اعترافها بـ«الوفاق» التي اعتبروها «عاجزة عن حماية المواطنين من هيمنة الميليشيات». وأضاف النواب أن رئيس الحكومة فائز السراج قد صار «طرفاً في النزاع بدعمه الإرهابيين الذين يقاتلون الجيش الوطني (قوات حفتر)»، وفضلاً عن ذلك، ذهب بعضهم في وفد لزيارة حفتر، وأكدوا دعمهم له.
لكن هؤلاء النواب الـ47 لا يمثلون كل المجلس الذي يحوي 188 نائباً. إذ ندد في المقابل، نحو خمسين نائباً بالحرب التي بدأها حفتر، آخرهم أمس النائب عن مدينة المرج (شرق)، سليمان سويكر، ونواب عن مدينة غريان، إلى جانب عميد البلدية، ونواب في «المجلس الأعلى للدولة» الاستشاري، الذين أصدروا بياناً طالبوا فيه بإنقاذ مدينتهم من اجتياح حفتر و«الانتهاكات» التي تقوم بها قواته بها.
من جهتها، ذهبت «الوفاق» إلى استمالة الأطراف الدولية على طريقتها. فوجه عضو «المجلس الرئاسي» التابع لها، عماري زايد، رسالة شكر متلفزة أمس إلى الكويت وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة على جهودها الداعمة لهم في مجلس الأمن الدولي. وهو عبر هذا التصريح، لم يحدد الأطراف المساندة لهم فقط، بل أشار بوضوح إلى الدول غير المساندة في عدم تسميتها، وهي: فرنسا والمحور الإقليمي: مصر ــــ الإمارات ــــ السعودية. ولا يعني ذلك عدم وجود قوى محايدة، فهي كثيرة، وعلى رأسها الجارتان تونس والجزائر وكذلك المغرب، لكن هذه الدول لم تتورط فعلياً في دعم المتقاتلين منذ سقوط القذافي، وهي تحتفظ إلى حدّ كبير بمساندتها «الوفاق».