رغم أن قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشّح كان منتظراً بعد حملة المناشدة الواسعة لأنصاره، إلا أن إعلانه ذلك رسمياً عبر رسالة موجّهة إلى الجزائريين ولّد ردود فعل سياسية واسعة وتعليقات لا حصر لها من مواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم يكن التفاعل بسبب فعل الترشّح الذي يتيحه القانون والدستور، بل لأن الرئيس بوتفليقة يعاني منذ نيسان/ أبريل 2013 من آثار جلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة والكلام، وهو وضع يستمرّ معه منذ ذلك الوقت، بما يطرح تساؤلات كثيرة عند خصومه حول حقيقة أهليته للحكم، خصوصاً أن العديد من واجباته الدستورية لا يستطيع القيام بها، على غرار «مخاطبة الشعب مباشرة»، و«تمثيل الجزائر في الخارج»، و«اعتماد السفراء وممثلي السلك الدبلوماسي».وإدراكاً منه للقلق الذي يحيط بوضعه الصحي، أوضح الرئيس بوتفليقة في رسالته أنه «لم يعد بنفس القوة البدنية التي كان عليها»، وقال: «لم أُخفِ هذا يوماً على شعبنا، إلا أن الإرادة الراسخة لخدمة وطني لم تغادرني قط، بل وستمكنني من اجتياز الصعاب المرتبطة بالمرض، وكل امرئ يمكنه التعرض له في يوم من الأيام». وأضاف بوتفليقة أن إرادته يستمدها من «تمسكه الراسخ بالوفاء بالعهد مع شهداء الثورة والمجاهدين»، الذين وصفهم برفاقه في ثورة التحرير ضد المستعمر الفرنسي. لكن هذه العبارات لم تنجح في إزالة هواجس الكثير من الجزائريين، الذين عبّروا في فيديوهات وتعليقات عن خوفهم من المستقبل.
وتحدث الرئيس الجزائري، في سياق تبرير ترشّحه، عن وجود أغلبية من الجزائريين تناشده البقاء في الحكم. وحاول تسويق ولايته الخامسة المنتظرة، من خلال تقديم وعود بإصلاحات شاملة وعميقة وتعديل للدستور في حال فوزه. وقال إنه سيدعو إلى ندوة وطنية جامعة، بدءاً من هذه السنة، لتحقيق توافق وطني وسياسي يمكّن من التحرك الأمثل نحو المستقبل، وهو ما تعدّه المعارضة مجرد «خدعة» جديدة، إذ سبق للرئيس أن وعد بالإصلاح عام 2008، ثم في عام 2011 في قلب موجة «الربيع العربي»، إلا أن تلك الإصلاحات كانت مُخيبة، بدليل استمراره في الحكم وهو مريض في عام 2014.
وبعد إعلانه الترشّح مباشرة، خرج علي بن فليس، أبرز منافسي الرئيس بوتفليقة في انتخابات 2004 و2014، ببيان يندد فيه بما اعتبره «انتهاكاً خطيراً للدستور، من خلال تقديم مرشَّح في وضع صحي يتنافى وأعباء منصب رئيس الجمهورية»، موضحاً أن الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة تعني «الجمود والركود، وستستمر قوات غير دستورية في تسيير شؤون الدولة من خلال انتحال الوظائف والصلاحيات الرئاسية والتصرف والنطق باسم رئيس الجمهورية». واتهم بن فليس، محيط الرئيس، بأنه «لا يهتمّ إلا بمصالحه وامتيازاته، ويخاطر باستقرار البلاد وأمنها بإنكار التطلعات المشروعة للأغلبية الساحقة للجزائريين في التغيير».
ستكون هذه الرئاسيات وفق مراقبين شكلية وخالية من المنافسة


يُرجّح، بعد قرار الرئيس الترشّح، أن ينسحب علي بن فليس من السابق الانتخابي، وهو ما لا ينطبق على مرشحين آخرين من المعارضين يصرّون على المواصلة، رغم إقرارهم ضمنياً بأنّ المعركة خاسرة. ويظهر في هذا المضمار عبد الرزاق مقري، رئيس حركة «مجتمع السلم»، الذي أعلن مواصلة مسار الترشّح، حتى في ظل دخول بوتفليقة السباق، رغم أن هذا الموقف مخالف لتوجهات سابقة في حزبه كانت تؤكد مقاطعة الانتخابات في حال ترشُّح الرئيس. أما علي غديري، المرشح الآخر الذي استقطب الاهتمام من حوله، فيبدو هو الآخر مصمماً على البقاء، مُراهناً على ما قال إنه «طوفان شعبي» بإمكانه أن يقلب المعادلة ويوصله إلى قصر الرئاسة، وهو تصور يراه مراقبون حالماً في ظلّ هيمنة السلطة على كل مفاصل تنظيم الانتخابات.
ولم يسبق للرئيس بوتفليقة أن نال أقل من 80 بالمئة من الأصوات في كل الانتخابات التي خاضها (1999- 2004 - 2009 - 2014). لذلك، ستكون هذه الرئاسيات ــ وفق مراقبين ــ شكلية وخالية من المنافسة، وستتكرر عقبها نتائج ما سبقها. وكان منافسو الرئيس يحتجّون دائماً على ما يرونه انحيازاً كبيراً للإدارة إلى فائدته، وتوجيهاً لأصوات الجيش والأسلاك الأمنية نحوه، إلا أن أنصاره كانوا يرفضون تماماً هذه الاتهامات، ويؤكدون أن الرئيس يحظى بشعبية كبيرة تجعل خصومه غير قادرين على منافسته. لكن منذ انتخابات عام 2014، التي خاضها الرئيس بوتفليقة وهو يعاني المرض الشديد لدرجة غيابه عن الحملة الانتخابية، أصبح الاحتجاج لا يدور حول تزوير النتائج، بل قبول ملفه للترشح الذي يشترط شهادة طبية تؤكد صحته الجيدة. ويُشرف المجلس الدستوري على عملية اعتماد المرشحين، ويُعدّ رئيسه الطيب بلعيز الذي عُيِّن قبل يومين، من أكثر الاشخاص ولاءً للرئيس.