في بضعة أعوام، انتقل يوسف الشاهد من رجل سياسة مغمور إلى رئيس حكومة وزعيم مشروع سياسي. لكن جزءاً كبيراً من مسيرة الرجل، صاحب الثلاثة والأربعين عاماً، لم يكن من صنعه، بل يمكن القول إن الزعامة جاءته من دون جهد كبير. انطلق الباحث والموظف السابق في السفارة الأميركية في تونس (عمل فيها في إطار مشروع دراسي حول الفلاحة)، في العمل السياسي، بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، وساهم في تأسيس «الحزب الجمهوري»، لكنه كان من بين المغادرين له مع تأسيس «حركة نداء تونس» عام 2012، ونال فيها عضوية مكتبها التنفيذي رغم حداثته في العمل الحزبي.الصعود الحقيقي للشاهد كان عام 2015، حيث عُيّن كاتب دولة، ثم اختاره رئيس الجمهورية لرئاسة لجنة تُعنى بحلّ النزاع الوليد داخل «نداء تونس»، وصار مع مطلع 2016 وزيراً للشؤون المحلية، وانتهى الأمر به رئيساً للحكومة بعد ذلك بسبعة أشهر. وبوصوله إلى أعلى منصب تنفيذي في البلاد، تحوّل الشاهد من شاب اختاره رئيس الجمهورية لثقته به، إلى طرف في الصراع داخل الحركة التي احتضنته، حيث تصدّر الجبهة الرافضة لما سُمّي «توريث الزعامة» لحافظ قائد السبسي، نجل الرئيس والمدير التنفيذي لـ«النداء». وبما أن ترؤسه للحكومة جاء بعد توقيع «اتفاق قرطاج» من طرف منظمات مهنية وعدد من الأحزاب، التفّ حول الشاهد مستشارون ووزراء من خلفيات متنوعة، تقوّت روابطهم به إلى حدّ تفضيلهم البقاء في حكومته، رغم إعلان أحزابهم الانسحاب منها. شيئاً فشيئاً، ومع تزايد الاستقطاب داخل «نداء تونس»، صار لزاماً على قيادتها وأنصارها تحديد مواقعهم، ووصل الأمر إلى البرلمان، حيث انشقّ عدد من النواب، وأسّسوا كتلة جديدة باسم «الائتلاف الوطني» أعلنت مساندتها للشاهد. إزاء ذلك، حاول رئيس الجمهورية التخلّص من المنافس الصاعد، وهو مسعى سانده أيضاً «الاتحاد العام التونسي للشغل» لأسباب تتعلق برفض برنامج الخصخصة الحكومي. اقتيد الشاهد إلى البرلمان، لكن برنامج تنحيته فشل عندما حظي وزراء جُدد اقترحهم بثقة أغلب النواب، وخاصة مع الدعم الذي وفّرته له «حركة النهضة» تحت ذريعة الحرص على الاستقرار الحكومي.
بعد تأكد بقائه، لم يبقَ أمام الشاهد إلا استكمال ما بدأه، أي تأسيس مشروعه السياسي. على امتداد الأشهر الأخيرة، تزعّم عدد من الوجوه المستقيلة من كتلة «النداء» ورئاسة الجمهورية وبعض الوزراء اجتماعات تشاورية في مناطق مختلفة شملت مئات المشاركين، انتهت أمس بالإعلان رسمياً عن تأسيس الحزب الجديد الذي يحمل اسم «تحيا تونس». لكن ثمة مفارقة تبدأ من اسم الحزب نفسه، كونه جزءاً من شعار خاض به الباجي قائد السبسي حملته الرئاسية عام 2014 («فبحيث تحيا تونس»)، بعدما تم إعلانه في اجتماع حاشد، قيل إنه استقطب 6 آلاف شخص، في مدينة المنستير الساحلية، التي تمثّل مسقط رأس أول رئيس للجمهورية الحبيب بورقيبة، والتي انطلقت منها أيضاً حملة السبسي الرئاسية. لكن، تزداد الغرابة عند التدقيق في أسماء قياديي الحزب وتاريخهم. إذ إن أغلب هؤلاء هم من زعامات الصفوف الأولى في «نداء تونس»، وكثيرون منهم شغلوا مسؤوليات في «التجمع الدستوري الديموقراطي»، الحزب الحاكم في زمن بن علي، لكنهم يحبون وصف أنفسهم بـ«الدساترة» (نسبة إلى «الحزب الدستوري»، الاسم الأصلي في زمن بورقيبة)، إضافة إلى منشقين عن أحزاب تعتبر نفسها «وسطية».
بصفة عامة، تتشابه تركيبة «تحيا تونس» إلى حدّ التطابق مع تركيبة «نداء تونس»، لكن من دون الباجي قائد السبسي ونجله. يبدو الأمر كما لو أن يوسف الشاهد، الابن المدلل الخجول، قتل «والده السياسي»، وأعاد تجميع العائلة تحت سلطته، لا أكثر. ما يتجاوز ذلك لا يعدو أن يكون خلطة بهارات، قوامها أشخاص طامحون آثروا الالتحاق بحزب تأسّس في الحكم ويطمح إلى البقاء فيه، على الاستمرار في أحزابهم. وبعيداً عن الشكل، لا يختلف الحزب الجديد عن «النداء» من ناحية المضمون أيضاً. مبدئياً، لا برنامج اقتصادياً محدداً له، فقط الحفاظ على الموجود والدفع قدماً في تنفيذ توصيات «صندوق النقد الدولي»، الذي يَعِد بتحقيق بنسب نمو عالية. أما بالنسبة إلى التموضع السياسي، فيشير سلوك الشاهد في العامين الماضيين إلى أن حزبه ينوي افتكاك حصة «النداء» الانتخابية، ولا مشكلة بعدها في التحالف مع «حركة النهضة». تأسيس الشاهد لحزب جديد له محاسن قليلة، لعلّ أهمها رفع الحرج عن رئيس الجمهورية، الذي صار بإمكانه إعلان معارضته له بحريته، لكنه يواجه تحديات أكبر قد تؤثر على مستقبله. أول التحديات التي يجب على الشاهد مواجهتها لضمان بقائه على رأس الحكومة، ومراكمة رصيد انتخابي، هو إنهاء الصراع مع «اتحاد الشغل»، الذي دعا إلى إضراب عام في القطاع العام يومَي 20 و21 من الشهر المقبل، وهو إجراء احتجاجي له ما بعده، في حال عدم التوصل إلى اتفاق حول رفع الأجور، وطريقة التعامل مع الشركات العمومية التي تعاني مشكلات مالية.