إزاء الضغوط التي يواجهها منذ بداية العام، من قبل حزبه «نداء تونس»، الذي يطالبه بالاستقالة، ومطالبته بالتعهّد بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، من قبل حركة «النهضة»، اختار رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، المضي قدماً وعدم الرضوخ لأي من المطلبين. فبعد أقل من أربعة أشهر على نجاحه في إقناع غالبية أعضاء البرلمان بالمصادقة على وزير الداخلية الجديد، وضع الشاهد تحدياً جديداً، في حشد الدعم اللازم لتمرير تعديله الوزاري الموسع، مساء أول من أمس، والذي شمل 18 حقيبة، بينها لوزراء وكتاب دولة. حصن الشاهد نفسه بتنويع تشكيلة الوزراء الجدد، فجاءت كما لو أنه اختار من «كل قبيلة (سياسية) رجلاً». لكن المفاجآت الوزارية، بدت أكبر من أن تمر من دون احتجاج، لا من نواب المعارضة فحسب، بل أيضاً من نواب حركته، التي جمدت عضويته فيها، ومن رئيس الجمهورية، الذي انتقاه أصلاً ليشغل رئاسة الحكومة، قبل أن يخرج عن طوعه.أعاد الشاهد تدوير بعض أعضاء حكومته، فنقلهم من وزارة إلى أخرى، ورقّى آخرين من كتاب دولة إلى وزراء، لكنه أخرج منها أيضاً أحد صقوره، رياض المؤخر، على رغم وجود إشاعات تقول إن ذلك مجرد تغيير في مهامه، حيث سيتوجه للعمل على تأسيس مشروع سياسي جديد، برفقة الوزير المُقال سابقاً، مهدي بن غربية، يكون الشاهد زعيمه.
يبعث التعديل الوزاري الجديد الحياة إلى أحد أبرز وزراء زين العابدين بن علي، كمال مرجان، زعيم حزب «المبادرة الوطنية الدستورية»، الذي شغل سابقاً مهاماً ديبلوماسية مرموقة، إلى جانب وزارتي الدفاع والخارجية. وتعود دوافع تعيين مرجان، في منصب وزير مكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية، إلى رغبة الشاهد في توسيع القاعدة البرلمانية للحكومة، وعلى رغم أن حزبه له 3 نواب فقط (من بين 217)، إلا أنهم مهمون في سياق سباق الاستقطاب القائم، لكن الأهم، هو انحدار الرجل من عائلة سياسية ومالية لها تأثير كبير في بعض مناطق الساحل، كما أنه يمثل جزءاً مهماً من «الدساترة» (أنصار حزب «الدستور» الذي تحول خلال فترة بن علي إلى حزب «التجمع»). إضافة إلى ذلك، دخلت حركة «مشروع تونس» الحكومة، بحقيبتين وزاريتين، بعد أن كانت من أشد منتقديها. ويرأس الحركة محسن مرزوق، الذي عمل سابقاً برفقة رئيس الجمهورية، وزيراً ومستشاراً، وكان من أبرز قياديي «نداء تونس»، قبل أن يُقال ويؤسس مشروعه السياسي، برفقة عدد من المنشقين الآخرين، وتعد كتلتها البرلمانية 14 عضواً.

انقسام حول وزير يهودي
شملت التشكيلة المقترحة تعيين اليهودي روني الطرابلسي وزيراً، ما أثار جدلاً واسعاً وحالة من الانقسام، على رغم أنها ليست سابقة في تاريخ تونس، لكن الأمر لم يتكرر منذ عقود. في واقع الأمر، تردد اسم الطرابلسي أكثر من مرة بعد سقوط نظام بن علي، كوزير سياحة مقترح، لكن لم يجرؤ أحد على طرحه على البرلمان بصفة رسمية. لكن يوسف الشاهد، مضى في ذلك لدوافع عدة، أولاً سعيه إلى تكوين صورة سياسية عن نفسه، كزعيم سياسي حداثي ومُجمع، وثانياً، توجيه رسالة دولية تعزز صورته «المنفتحة»، وهو ما أشاد به حساب «إسرائيل بالعربية» التابع للخارجية الإسرائيلية، أمس، واصفاً حكومته إثر التعديل بـ«حكومة التعايش»، ومتمنياً لها «النجاح والتوفيق»، وثالثاً، توظيف علاقات الرجل وارتباطاته التجارية والمالية لدعم قطاع السياحة، إذ يعمل الطرابلسي في مجال السياحة، ويمتلك حيث يُقيم في فرنسا أغلب الوقت، شركة وعدداً من وكالات الأسفار. فالرجل، الذي ينحدر من عائلة يهودية في جزيرة جربة، ويرأس والده، بيريز الطرابلسي، جمعية تشرف على «زيارة الغريبة» السنوية، التي يؤدي خلالها آلاف من اليهود، المقيمين خارج تونس خاصة (وبينهم عدد من حملة الجنسية الإسرائيلية)، زيارة إلى معلم روحي قديم، قد أبدى اهتماماً بشغل منصب وزاري، فحضر في برامج تلفزيونية عدة، قُدم خلالها على أنه رجل أعمال ناجح يعمل على دعم السياحة التونسية (وقد كان له عدد من المبادرات في هذا الاتجاه)، واقترب من حركة «نداء تونس» عند انتصارها في انتخابات عام 2014، من دون أن يكون عضواً فيها.
اختيار روني الطرابلسي واجهته احتجاجات ترتبط بعلاقات محتملة تجمعه بإسرائيل


اختيار روني الطرابلسي واجهته احتجاجات، وإن ما زالت محتشمة، ترتبط بعلاقات محتملة تجمعه بإسرائيل. فعلى رغم أنه لا يُظهر ميولاً واضحة تجاه الصهيونية، لكنه لا يُدينها في الوقت نفسه. كما يعترض المحتجون على وجود تضارب مصالح بين وظيفته الجديدة وتجارته، وعليه أن يُقنع ممثلي الشعب بأنه لن يستغل نفوذه لخدمة مصالحه الخاصة. من جهة أخرى، يفجّر تعيينه وزيراً للسياحة، أسطورة اضطهاد اليهود، ووضعهم في مرتبة دونية في الدول العربية، بما يخدم فكرة اليهود المتبقين في تونس، الذين يرفضون ترك البلد والتوجه إلى إسرائيل بدوافع دينية، بهدف الحفاظ على الوجود اليهودي في تونس، بالإضافة إلى دوافع الانتماء والثقافة، على رغم توجيه سلطات دولة الاحتلال دعوات متكررة لهم للانتقال إليها «خشية على سلامتهم» كما تزعم.

الكرة في ملعب «النهضة»
على رغم ترفيع الشاهد في التمثيل الوزاري لحركة «النهضة»، إلا أنه لم يتفاعل حتى الآن مع ما تطالب به من تعهد بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة. وعلى رغم أن موقف الحركة لم يتوضح بعد من التعديل، إلا أنه من المتوقع أن تدعمه داخل البرلمان، وذلك أمر جوهري، حيث تمتلك أكبر كتلة، وتملك القرار النهائي والحاسم في المصادقة على الوزراء الجدد.
لكن اللافت، هو رد فعل «نداء تونس»، التي اعتبرت قيادته في ندوة صحافية عُقدت أمس، أن ما أتى به يوسف الشاهد شبيه بانقلاب 7 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1987، حين أزاح رئيس الحكومة زين العابدين بن علي، رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة، معتبرة أن رئيس الحكومة أصبح «أداة طيّعة» بيد «النهضة». يأتي هذا الموقف، بناءً على ما أعلنته الناطقة باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، من أن الرئيس لم يُستشر في التعديل، وأن الشاهد قدم له قائمة بأسماء الوزراء المقترحين، تبين في ما بعد، أنها مزيفة، وهو ما عبر عنه المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، نور الدين بن تيشة، بالقول إن الشاهد «غالط» الباجي قائد السبسي، واعتبر بالتالي، أن إعلامه مغلوط، وذلك أمر «مخالف للذوق السياسي». لكن، من الناحية العملية، لا يُمكن للرئيس أن يُغير شيئاً في ما حصل، وهو مُجبر على توقيع أوامر تعيين الوزراء الجدد، وتعيين موعد لهم لأداء اليمين الدستورية، في حال صادق البرلمان عليهم، وأي تعطيل لهذه الإجراءات، يُعتبر مخالفة للدستور.