«أنتِ وبأي صفة يا أخت زينب تصفين الإعلان بالعار؟ العار أن يأتي الشيعة والسنّة بنواب يمثلونهم، وأن يأتي نصف النواب المسيحيين بأصوات لا تمثلهم». تلك عينة من تعليقات قراء نُشرت على موقعنا، تنتقد ما جاء في مقال الزميلة زينب حاوي « Otv تروّج للقانون الأرثوذكسي: إعلان «العار» البرتقالي» (الأخبار 15/ 1/ 2013). الإعلان الذي تعرضه هذه الأيام محطة «العونيين» ترويجاً لـ «قانون اللقاء الأرثوذكسي»، أشعل موجة استنكار عارمة في الصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
للوهلة الأولى، تتنفّس الصعداء، تطمئنك صرخات التنديد بأنّ لبنان بألف خير، وبأنّ سكان العالم الافتراضي هم الأكثرية، وأنّ «الطائفي الصغير» بيننا حالة شاذة ومنبوذة، فنحن ننتخب حصراً على أساس برامج. في هذا المناخ، قد يأتي الإعلان ليمثل صدمة حقيقية، لكن مهلاً، القانون «الأرثوذكسي» طائفي فعلاً، لكن أليس أيضاً ابن الـ «6 و6 مكرّر»، أليس النظام السياسي من أساسه طائفيّاً؟ والإعلان تبسيطي يسمّي الأشياء بفجاجة للناخب (روم، كاثوليك، انجيلي، ماروني...) لتصل رسالته، فـ «ما الضير بأن ينتخب المسيحيون ممثليهم»، قد يقول قائل في بلد توحّدت مرجعياته الدينية حتى على رفض الزواج المدني الاختياري؟ إذاً لماذا كل هذه الضجة حول الإعلان؟ لقد بدت موجة الاستنكار أشبه بحالة تطهّر من أمراض مجتمعنا، كأنّنا بالـ otv كبش الفداء الذي نعلّق عليه كل ذنوبنا و«عوراتنا» وسرطان الطائفية والمذهبية. وهنا يكمن السرّ ربّما: لقد تمكّن منّا هذا الإعلان، وأوجعنا لأنّه أرانا دمامتنا في المرآة، فرجمناه بكل ما أوتينا من قوة.
أهل الفايسبوك المستنكرون ـــ بعضهم توّاق إلى دولة مدنية وعلمانية، وبعضهم الآخر متمترس خلف خندقه السياسي ـــ لم يتوقفوا لحظة في «بوستاتهم» للحديث ربما عن التركيبة السياسية المهترئة، ولا عن المذهبية المعششة في النفوس… كأنّنا بهم هبطوا من جمهورية أفلاطون. المضحك مثلاً أنّ «مستقبليّاً» عنيداً شارك على صفحته مقالاً انتقد الإعلان مضيفاً إليه تعليقاته، ومجيّراً النقاط «الانتخابية» لتياره... بالله عليكم، أليس هناك من أحد يُخبره عن «علمانية» الشيخ سعد مثلاً؟
الإعلان الذي أثار كل هذا الاستنكار ـــ بغضّ النظر عن الموقف منه في العمق ـــ قوّته في النهاية أنّه أوجعنا بمفرداته الطائفية العارية، فخر الصناعة اللبنانية: روم، كاثوليك، انجيلي، ماروني... إنّها لحظة «الانعزال» بامتياز التي تمنع ولادة «المواطن» اللبناني. ولبنان الذي تاب الزمن عن تغييره، ها هو يلبنن اليوم المنطقة عن بكرة أبيها. يا أهل العالم الافتراضي، تلفّتوا حولكم قليلاً، وراقبوا المشهد من العراق إلى سوريا مروراً بمصر… ديار العرب صارت مرتع الهويات القاتلة!