لم تنفع كلّ محاولات شركة I See Media في تخطّي قبضة الرقابة السورية رغم تكرار المناورات من أكثر من باب. والنتيجة رفض قطعي وحاسم لنصّ «تحت الرماد» (استقرّ الاسم النهائي على «دوّار شمالي»)، ومطاردات بوليسية غير متوقّعة. حتى عندما قررت الشركة التصوير خارج البلاد، لاحقها الرقيب! بدأت القصّة حين كانت الشركة قد تقدّمت من خلال المخرج عامر فهد الذي كان سيشرف على الإنتاج في سوريا، بنصّ مسلسل ثلاثيني بعنوان «تحت الرماد» (كتابة حازم سليمان وإخراج عامر فهد). لكنّ الرقابة رفضته بذريعة إثارته لـ«الفتن الطائفية، وتحريكه رياح مواجهة إسلامية مسيحية». طبعاً، تشير تقارير قرّاء النصوص الدرامية التي اطّلعنا على بعضها، إلى وقوع النص في هذا المأزق في البداية، لكنّها لم تكن مشكلة جوهرية، بل كان يمكن تعديلها من دون التأثير على الدراما وتمرير العمل، وخصوصاً أنّ كلّ مسلسل يُنجز يشغّل قرابة 500 شخص في زمن اقتصادي لئيم وانتشار العوز والجوع الفعلي في البلاد. وقد خضعت فعلاً الخطوط للتعديل، وأعيد تقديم النص من جديد، لكنّ «اللجنة الوطنية للدراما» المسؤولة عن الموضوع، التي تمثّلها مجموعة مشتركة من لجنة صناعة السينما ومؤسسة الإنتاج التلفزيوني ومؤسسة السينما ونقابة الفنانين ووزارة الإعلام، أحالت النص هذه المرة على جهات أمنية عليا. بدورها، كلّفت الأخيرة قرّاء مختصين ليعود النص بتوصيات لتعديلات جذرية جديدة. هنا، اختارت الشركة أن تنقل تصويرها إلى لبنان، بخاصة أن الظروف الإنتاجية والخدمية غير متوافرة بسهولة في الشام. وبالفعل، أخذت موافقة الأمن العام اللبناني، وصوّرت كلّ المسلسل هناك. علماً أنّ المشروع حصل على موافقة رقابة إماراتية، وكان يُفترض عرضه حصرياً على تلفزيون «أبو ظبي». لكنّ «اللجنة الوطنية للدراما» في سوريا سرعان ما وجّهت كتاباً موقّعاً من كلّ أعضائها، إلى عدد من المحطات الفضائية تنوّه فيه بأنّ العمل لم يحصل على موافقة رقابية سورية. وبناءً على تلك التوصيات الرقابية المتشددة وربما نتيجة العلاقات الودية الإماراتية السورية هذه الأيام، أُوقف العمل عن العرض بعدما انطلقت إعلاناته فعلاً. علماً أنّ الشركة المنتجة نفّذت تعديلات جذرية على العمل، ونفت وجود أي تناحرات دينية، وأحالت سبب الصراع في العمل إلى أطماع عقارية في حارة شامية استراتيجية، وغيّرت الاسم ليصبح «دوّار شمالي»، وهو اسم خط الميكرو الذي يجوب العاصمة من أفقر أحيائها وعشوائياتها حتى أرقى واجهاتها المترفة، على أساس أن يكون المسلسل بمثابة عين راصدة ليوميات المدينة الاجتماعية وحياتها الاعتيادية وسط تصعيد الحكاية.يستغرب بعض المراقبين السوريين هذا التعنّت الرقابي وهذه المطاردة التي تحصل للمرّة الأولى لعمل صُوّر خارج سوريا، وكان سيُعرض على محطّات غير سورية. يلمّحون إلى عملية تصفية حسابات يقودها منتجون سوريون مسيطرون محلياً، نتيجة خلافات سابقة مع الشركة المنتجة. ويطرح بعضهم سؤالاً واضحاً: لماذا هذه الاستماتة في وجه مسلسل أراد أن يُصوّر في البلاد بشكل قانوني، علماً أنه سبق لأعمال لم تُمنح إجازات رقابية وصُوّرت خارج سوريا، عُرضت من دون أن يعترض طريقها أحد؟