إنها طوكيو عاصمة اليابان، لكنه ليس العالم الذي نعرفه. على عادة مسلسلات الإنيمي وقصص المانغا في عالم موازٍ (parallel universe)، حيث يعيش «الغيلان» والبشر في عالمٍ واحد ضمن قصة «غول طوكيو» التي رسمها وألّفها المانغاكا الياباني سوي إيشيدا. بدأ إنتاج المانغا الأصلية عام 2011 وصولاً إلى عام 2014 ونُشرت في مجلة «يونغ جمب»، وجمعت في أربعة عشر تانكوبون (مجلد مانغا). لاحقاً، صدرت سلسلة جديدة مقتبسة عنها تسمى «غول طوكيو: ري» بدءاً من عام 2014، لتتبعها مانغا «أونلاين» على موقع المجلّة (يونغ جمب) سميت «غول طوكيو: جاك». لاحقاً تم إنتاج مسلسل إنيمي حول قصّة المسلسل من قبل «استديو بيرو» وبُثّ على قناة «طوكيو إم اكس» ليتبعه موسمان. تحكي القصة حكاية كين كانيكي، الطالب الخجول والمولع بالكتب والقراءة الذي يتعرّف بالمصادفة على فتاة رقيقة وخجولة تدعى ريزي كاميشيرو خلال جلوسه مع صديقه هيديوشي في أحد المقاهي. يكتشف كانيكي أن ريزي مولعة بالكتب، فيصبحان أصدقاء، ويخرجان سويةً. سرعان ما تكشف ريزي عن نفسها بأنها واحدة من الغيلان التي «تتغذّى» على البشر؛ وبأنه «ضحيتها» الجديدة وستتغذّى عليه. كانيكي الذي لم يكن يعرف شيئاً عن العالم، يُفاجأ بأن عالم طوكيو مسكون بالبشر وبالغيلان في آنٍ معاً. يبقى الغيلان على قيد الحياة فقط بالتغذّي على لحم البشر، وهم يخفون هويتهم الحقيقية بتجسدهم على هيئة بشرٍ لا يمكن تمييزهم نهائياً، يأتي هذا الإخفاء تجنباً لملاحقة السلطات وتحديداً وكالة مكافحة الغيلان (CCG). يمتلك الغيلان قدراتٍ فائقة نظراً إلى تناولهم اللحم البشري، فضلاً عن بنيةٍ جسديةٍ مختلفة: هم أقوى من البشر بمرات، يتحركون بسرعة أكبر، جلدهم لا تخترقه الآلات الحادة، كما يصبح بياض أعينهم أسود للغاية (أو أحمر كالدم وتسمى هذه الحالة «كاكاغوان» أي «حال الافتراس»). الأهم من ذلك أنّ لديهم عضواً خارجياً يشبه أطراف العنكبوت أو الأخطبوط يسمى «الكاغوني»، وهذا الكاغوني هو سلاحهم الخاص، فهو قاتل للغاية، وبعضهم يستعمله لبث سمومه، أو كأداة حادة قاطعة. في الإطار عينه، لا يستطيع الغيلان تناول الطعام البشري، ذلك أن طعمه سيء للغاية بالنسبة إليهم، ولو أنهم فعلوا ذلك لإخفاء حقيقتهم، فإنهم يتقيؤونه بعد ذلك لقرفهم منه. تحاول ريزي أن تفترس كانيكي، لكن يتم إنقاذه من قبل مجموعة من الغيلان المسالمين الذين يدعون «انتياغو» ويقودهم غول قوي يدعى يوشيمورا. يضطر الإنتياغو، وتحديداً «توكا كريشيما» الغولة التي تحب البشر وتساعدهم، لإنقاذ كانيكي عبر نقل جزء من جسد «ريزي» إلى جسده؛ ما يجعله «نصف غول». ومن هنا تصبح الأمور أكثر إثارةً: كانيكي النصف غول، يصبح هو محط اهتمام العالمين: البشر والغيلان في آنٍ معاً. كونه نصف غول أمر يجعله أقوى من الغيلان العادية، كما يمتلك قدراتٍ أكبر في الوقت نفسه. هو لا يفهم ما إذا كان يجب أن ينتمي إلى الغيلان ويصبح واحداً منهم أم إلى البشر. تتطوّر القصة حين يعرف كانيكي بأنَّ كاتبته المفضّلة سين تاكاتسوكي هي زعيمة الغيلان الأشرار وتدعى «البومة ذات العين الواحدة». لكنّ اسمها في الأصل هو إيتو يوشيمورا، وهي ابنة يوشيمورا زعيم الإنتياغو من أم بشرية، لكنها تمردت على قوانينه وأرادت أن تقود الغيلان للسيطرة على طوكيو والعالم. لاحقاً يرتدي كانيكي قناعاً خاصاً يخفي عينه الوحيدة، ويظهره بمظهرٍ متوحش بعض الشيء، ربما في محاولة في إخفاء ملامحه الخارجية اللطيفة أثناء صراعاته مع بقية الغيلان وحتى مع البشر ووكالة مكافحة الغيلان المعروفة التي سينتمي إليها لاحقاً حين يفقد ذاكرته.
باعت «غول طوكيو» أكثر من 47 مليون نسخة حتى العام الفائت


يتميّز المسلسل الذي تحوّل إلى فيلم سينمائي من إخراج كينتارو هيغيوارا عام 2018، بأنه يقارب أبعاداً كثيرة في قصةٍ ذات تفاصيل معقدة وتحتاج إلى المشاهدة أكثر من مرّة والمتابعة بتركيز، لأن أي تفصيل ولو صغير، سيبعد المشاهد عن فهم القصة وتشعباتها. ما يميز «غول طوكيو» عن سواه من مسلسلات الإنيمي أنه يركز على جوانب أكثر اختلافاً من غيرها. صحيح أنه يظل وفياً لعالم المانغا/ الإنيمي إلا أنه يغوص أكثر في حياة أبطاله: مثلاً كانيكي يظل وفياً لعالم القراءة والكتب، حتى بطلته قبل أن تصبح غولاً، هي كاتبة مشهورة، وتعجبه وتظل تلفته حتى بعد أن يكتشف بأنها عدوته الرئيسية. تاكاتسوكي بحد ذاتها واعية ومثقفة وليست مجرد كائن متوحش هدفه القضاء على البشر، بل هدفها ألا يبقى الغيلان مهددين ومطاردين ومعرضين للفناء. هذا النقاش العقلاني والواعي، على الرغم من دموية المسلسل بحد ذاته، يجعل من «غول طوكيو» مسلسلاً يناقش أبعاداً كثيرة. جانب العلاقات البشرية، على عادة مسلسلات الإنيمي، هو جزء لا يتجزأ، فصداقة البطل مع هايد (صديقه هيديوشي ناغاشيكا) الذي يبدو أنه قُتل مع بداية المسلسل، تظل تؤرقه وتجعله ينظر إلى الصداقة بعينٍ خاصة. الحب هو الآخر يظل على عادة المانغا/ الإنيمي يقارب بطفولية بالغة. إنه حبٌ عذري بحت، وهذه مفارقة مدهشة في عالم المانغا/ الإنيمي. لكمية الدماء، الوحشية، والتقطيع، والقتل، يبدو تناول الجوانب العاطفية بهذه الطفولية غريباً، لكن هذا جزء من «سحر» عالم المانغا/ الإنيمي ودهشته في آنٍ معاً. رغم توحش الأبطال وقدرتهم السريعة على القتل وحتى خوفهم من التعرّض الدائم للموت، إلا أنّهم يصبحون خجولين تحمرّ وجناتهم أثناء الحديث عن الحب، أو مثلاً أمام حبيباتهم أو أحبائهم.
يذكر أن «غول طوكيو» باعت أكثر من 47 مليون نسخة (حتى العام الفائت)، ما يجعلها واحدةً من المانغا الأكثر مبيعاً على الإطلاق. في الوقت نفسه، حظي الفيلم السينمائي المأخوذ عن القصة تقييماً يقارب السبعة من عشرة لجودته من موقع rotten tomato التقييمي الشهير. ختاماً، يستحق «غول طوكيو» المشاهدة لعشاق المانغا/ الإنيمي بالتأكيد، ذلك أنه يتمسّك بجو المانغا/ الإنيمي المعتاد، تقنياتها وقصتها المعقدة/ العامة من جهة، فيما يحاول تقديم قصةٍ سريعة مختلفة حول بطلٍ تنقلب حياته رأساً على عقب في عالمٍ يأكل القوي الضعيف فيه وبسهولة.

* «غول طوكيو» على نتفليكس