على الرغم من أنّها لا تملك حيثيّة تُذكر في المشهد الإعلامي العالمي، تمعن CAMERA التي تتخذ من مدينة بوسطن الأميركية مقرّاً لها في لعب دور المخبر. أحدث «مآثر» المنظّمة الصهيونية التي تطرح نفسها كـ«لجنة معنية بتحرّي الدقة حول التقارير الإعلامية الأميركية الخاصة بقضايا الشرق الأوسط» (Committee for Accuracy in Middle East Reporting in America)، وشايتها أخيراً بأربعة من العاملين لصالح قناة «فرانس 24» الفرنسية، ووصمهم بالتهمة الجاهزة والأكثر شيوعاً في الآونة الأخيرة: «معاداة السامية»! على خلفية منشورات نبشها فريق عملها من حسابات اللبنانيين دينا أبي صعب وجويل مارون وشريف بيبي والفلسطينية ليلى عودة على مواقع التواصل الاجتماعي، تعود غالبيتها إلى سنوات غابرة. واقعة تحيلنا إلى أخرى مشابهة حدثت في عالم صناعة الإعلام، أبرزها مثلاً ما جرى في عام 2021 في «دويتشيه فيله» الألمانية. الأداء الاستخباراتي الرخيص هذا، مسرحه موقع «كاميرا» الإلكتروني الذي تؤكّد عبره أنّها تأسّست عام 1982 بصفة جمعية أبحاث تسعى لدفع «التغطية الدقيقة والمتوازنة للقضايا الإسرائيلية والشرق أوسطية في الإعلام الأميركي». وتلفت إلى أنّها تضع «نصب عينيها هدف توعية المواطنين الذين يستهلكون الأنباء بحقيقة ما يجري في الشرق الأوسط والدور الذي تؤدّيه وسائل الإعلام في هذا المضمار»، مشدّدةً في الوقت نفسه على أنّه من شأن التغطية الإعلامية «المشوّهة تضليل الرأي العام والتأثير سلباً على صنّاع القرار». درس «المهنية» و«النزاهة» هذا لا ينتهي إلا بالإشارة إلى أنّ «كاميرا» تتّخذ «موقفاً حيادياً» من المسائل السياسية «سواء الأميركية أو الإسرائيلية أو ما يتعلّق بكيفية حلّ النزاع العربي الإسرائيلي بصفة عامة». المؤسسة الحريصة على «الأداء الإعلامي الموضوعي» عبر شبكة من الصحافيين والمتعاونين والمراسلين ومعدّي التقارير، يتابع القسم العربي فيها أداء الميديا الغربية الناطقة بلغة الضاد، سعياً لتحقيق «قدر أكبر من تحري الدقة واعتماد قواعد المهنية الصحافية حول مضامين الخبر الصحافي. ومهما تنوّعت الأسباب الكامنة وراء عدم الدقة في تغطية أخبار الشرق الأوسط بوسائل الإعلام العربية كافة، فإنّ الأقسام العربية في وسائل الإعلام الغربية جديرة بالاهتمام الخاص كونها تخضع للقواعد وأسس الاحتراف والمساءلة السائدة نفسها في وسائل الإعلام باللغة الإنكليزية، ما يعني أنّها مطالَبة بالالتزام بأساليب التدقيق والتصحيح عندما يتم تحدّيها في هذا المضمار». وعليه، من الواضح أنّ دور «كاميرا العربية» يتركّز في متابعة أبرز المواقع الإعلامية العربية التابعة للإعلام الغربي في مسعى لـ «إبراز الأخطاء والمغالطات في تغطيتها الإعلامية للقضايا الإسرائيلية والشرق أوسطية».
في السادس من آذار (مارس) الماضي، نشر موقع «كاميرا» تقريراً يصبّ في خانة التضليل والافتراء والتشويه ويتناول منشورات افتراضية لأربعة من «ديفاز» (نجوم) «فرانس 24»، وُضعت في إطار «معاداة السامية». أمام المعلومات التي تنضح خلطاً للمعايير والمصطلحات وتضليلاً وتزوير حقائق، قرّرت الشبكة الإخبارية الفرنسية المملوكة للدولة تعليق عمل العاملين فيها وفتح تحقيق حول الموضوع. خطوة تغنّت بها «كاميرا» التي عبّرت عن «انتصارها» في نصّ أوضحت فيه أخيراً أنّها تلقّت من «فرانس 24» رسالة عبد البريد الإلكتروني تؤكد فيها أنّه «بعد نشر المقال عن تورّط صحافي وثلاثة مراسلين ناطقين بالعربية في «فرانس 24» في ما يُزعَم أنّها منشورات على صفحاتهم الشخصية على السوشل ميديا، فإنّ الإدارة فتحت تحقيقاً داخلياً فوراً في الوقائع المزعومة». وتابع المتحدّث باسم الشبكة: «كإجراء احترازي، وفي انتظار النتائج، تم إعفاء المعنيين من أي نشاط مهني»، لافتاً إلى أنّه «نتوقّع أن يتصرّف العاملون في «فرانس 24» بموجب ميثاق أخلاقي عندما ينشرون على الشبكات الاجتماعية وأي مساحة مخصّصة للتبادل العام للمعلومات».
يمارس الموقع الوشاية والتضليل والافتراء بحق كل إعلامي مناصر لفلسطين


وكان تقرير «كاميرا» قد زعم أنّ «الصحافيين الأربعة فشلوا في الالتزام بميثاق «فرانس 24» الأخلاقي. ففي العديد من منشوراتهم الافتراضية، يمكن رؤيتهم وهم يمتدحون هتلر، ويقلّلون من شأن الهولوكوست، ويمجّدون الإرهابيين المرتبطين بحماس الذين قتلوا وشوّهوا عشرات المدنيين اليهود». وفي هذا السياق، قالت مديرة «كاميرا» التنفيذية، أندريا ليفين، إنّه «من المتوقّع أن يلتزم الصحافيون المحترفون بمعايير الموضوعية الأساسية، والتي تشمل بوضوح عدم التشجيع على إرهاب هتلر وحركة حماس»، مثنيةً على «فرانس 24» التي سارعت إلى فتح تحقيق «في هذا الوضع الخطير». وتابعت: «نأمل أن تقطع القناة الإخبارية علاقاتها مع هؤلاء المدافعين عن النازية والإرهاب». إذا ما تصفّحت المقالات الأخرى المنشورة على موقع المنظّمة، يسهل سريعاً الخروج بخلاصة أنّه موقع استخباراتي يعمل في خدمة الصهيونية، ويروّج روايتها باعتبارها المرجع «الأخلاقي» لأي أداء إعلامي مفترض في المنطقة. حتى إنّها لم توفّر بيانات منظّمة العفو الدولية التي اعتبرت أنّ ما جرى في حي الشيخ جرّاح (2021) يُعدّ تطهيراً عرقياً تمارسه «إسرائيل» ونظام أبارتهايد و«جريمة بحق الإنسانية». لكن يبدو أنّ هذا الموقع بات يشكّل مرجعاً لوسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالعربية لـ«تأديب وترهيب» الإعلاميين العرب المناصرين للقضية الفلسطينية، وكيّ الوعي وفرض الرواية الصهيونية بدعوى «الموضوعيّة واستقلاليّة الإعلام». أما الاحتلال المشروعةُ مقاومتُه في كل الدساتير والشرائع، فهذا شأن آخر.