على الرغم من مرور نحو خمسة أسابيع فقط على انطلاق قناة «القاهرة الإخبارية» («الأخبار» 7 كانون الأول/ ديسمبر 2022) المملوكة والمموّلة بالكامل من الدولة المصرية باعتبارها قناة إخبارية إقليمية، إلا أن المحطة الوليدة تعاني من عجز في سداد الرواتب، أو بمعنى أدقّ من عدم قدرة على دفع رواتب العاملين الجدد الذين لم يتقاضوا أجورهم ورواتبهم منذ شهرين، في انتظار ما تقول الإدارة بأنه سيُصرف قريباً.
انطلقت قناة «القاهرة الإخبارية» بهدف منافسة «الجزيرة» القطرية

منذ بدء التحضيرات الفعلية لإطلاق القناة الجديدة التي قامت على أنقاض قناة dmc الإخبارية التي موّلتها الإمارات، ولم تخرج إلى النور بعد إنفاق سخيّ استمر عامين تقريباً، استُدعي مئات الشباب للعمل في «القاهرة الإخبارية» في مقابل رواتب كبيرة وأجور أعلى من المعتاد. التحضير للقناة الوليدة داخل الاستوديوات، استغرق فقط ثلاثة أسابيع، لتنطلق في بداية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قبل ساعات من قمة المناخ التي عُقدت في تشرين الثاني (نوفمبر) في مدينة شرم الشيخ.
خلال الشهر التحضيري، عُقدت عشرات الاجتماعات والمقابلات، وانضمت وجوه جديدة إلى المشروع، وأخرى عادت بعد غياب، وثالثة كانت ممنوعة من العمل. لكنّ المفاجأة الكبرى كانت في الاتفاق على الرواتب، خصوصاً مع إشراف الإعلامي أحمد الطاهري رئيس قطاع الأخبار في «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة بالكامل للمخابرات، على تفاصيل القناة والاستعانة بـ12 شخصاً من الصحافيين المحسوبين على الدولة، ليكونوا بمثابة هيئة استشارية للقناة.
لكن ما بين التحضيرات والانطلاق، لم يتلقَّ العاملون أي أجر مقابل حضورهم وتحضيراتهم على عكس اتفاقاتهم مع القناة عند التعاقد. زاد الأمور غموضاً عدم صرف الرواتب في نهاية تشرين الأول، والإعلان عن صرفها في نهاية تشرين الثاني بواقع راتب شهر ونصف شهر، بدلاً من شهر. لكن حتى الآن لا رواتب، مع العلم أن جميع العاملين في القنوات المملوكة للشركة نفسها، تقاضوا رواتبهم بشكل اعتيادي، بل بمنحة قدرها 500 جنيه (20 دولاراً تقريباً) لمن يقل راتبه عن 15 ألف جنيه.
يُتَّهم الطاهري وفريق إدارته بالإخفاق في إدارة القناة والاستعانة بشخصيات ضعيفة للظهور على الشاشة من أجل التحليل في وقت غابت فيه القناة عن تغطية الأحداث المهمة، أبرزها الاتفاق الموقّع في السودان أخيراً، إلى جانب حساسية تغطية العديد من القضايا الإقليمية لأسباب سياسية، والتعامل مع القناة باعتبارها محطة دعائية للسعودية والأردن وغيرهما، لا قناة إخبارية تحليلية. وازدادت الانتقادات مع الاستعانة بعدد من العاملين في قناة «إكسترا نيوز» الذين يتقاضون نصف الأجور التي اتفق عليها العاملون في «القاهرة الإخبارية»، بهدف إنقاذ الموقف، خصوصاً مع تكرار الأخطاء على الشاشة. وكحلّ مؤقت، جرى الاتفاق مع القادمين من محطات أخرى داخل «الشركة المتحدة» على تعديل رواتبهم بما يتسق مع رواتب العاملين في «القاهرة الإخبارية»، لكن ما حدث حتى اليوم هو استمرار الوضع على ما هو عليه، من دون تغيير، بل مع ساعات عمل أطول وصلت إلى 18 ساعة يومياً لبعض الأشخاص بسبب غياب الكفاءات اللازمة للحد الأدنى من التشغيل في مختلف القطاعات.
الانتقادات التي حاول الطاهري تفسيرها باعتبارها قادمة من أشخاص لم يكن هناك اتفاق معهم على العمل في القناة، هي محاولة تبرير فاشلة، في وقت تتسم فيه الشاشة بالضعف الواضح مقارنةً بقنوات «سكاي نيوز» و«العربية» و«الجزيرة» التي ظهرت المحطة الجديدة لمنافستها.
التعامل مع القناة باعتبارها محطة دعائية للسعودية والأردن


ما يتردد بقوة أن العاملين في القناة، لن يستمر وجودهم بهذه الطريقة ليس فقط بسبب ارتفاع الأجور مقارنة بغيرهم في المحطات الأخرى المنخرطة في المجموعة نفسها، لكن لأسباب عديدة وفي مقدمتها احتمال اضطرار الطاهري للتنازل والتخلي عن بعض مساعديه الذين تقاضوا رواتب خيالية في الشهور الماضية، بالإضافة إلى إعادة النظر في شكل القناة وتقليل أعداد العاملين وتقييم الضيوف الذين ظهروا على شاشتها.
حتى الآن، يردّد مذيعو القناة «القاهرة عاصمة الخبر» في كل نشرة إخبارية، وفي مقدمة كل برنامج، لكن ما لا يقولونه أنّ من حضّروا هذه الأخبار، لم يحصلوا على رواتبهم بعد!