«إنها ليست لعبةُ عادية، إنني أشعر بالأشياء. أشعر بكل شيء. وبالألم أيضاً، ها قد حذرتك». ها هم صنّاع مسلسل «العالم الغربي» (Westworld) جوناثان نولان وليزا جوي يعودون مع نسخةٍ أقوى من مسلسلهم الشهير الذين قدموه بدءاً من عام 2016 عبر أجزاءٍ أربعة عبر شركة «أتش. بي. أو». هذه المرّة يتعاون نولان وجوي مع الكاتب التلفزيوني سكوت سميث لتقديم مسلسل «العالم المحيط» (The Peripheral) الذي يعتبر بمثابة «تلصّص» جديد على مستقبل ديستوبي أو حتى ما بعد-كارثي جديد، إنما مختلف مرتكز على رواية الأميركي الكندي وليم غيبسون وتنتجه شركة «أمازون» لتقدمه عبر شبكتها للبث التدفقي «أمازون برايم».
تحكي قصة المسلسل حكاية الفتاة فلين فيشر (كلوي غرايس موريتز) التي تقرر البحث عن مزيدٍ من المال لعائلتها من خلال المشاركة في لعبة فيديو، ستعطيها أكثر مما تحصّله مقابل وظيفتها في محلٍ للطباعة ثلاثية الأبعاد. هي تمتلك موهبةً في ألعاب الفيديو، بحسب ما يصفها شقيقها بيرتون (جاك راينور). تدخل فلين اللعبة لتتعرّف على آليتا ويست (تشارلوت رايلي) التي يتضح أنها «المنسقة» معها، التي تعطيها المهمات. سرعان ما تشرح لها كيف أنَّ هناك سراً مباشراً خلف ما يحدث. تتعقّد القصة أكثر حين تلاحظ أن اللعبة تخفي الكثير بداخلها، فضلاً عن عالمٍ موازٍ يفتح لها مزيداً من الفرص لأن عالمها الواقعي نهايته وخيمة. يضع المسلسل فرضية مرعبة: ماذا لو أنَّ العالم الافتراضي الذي تمارس به «اللعبة» ليس افتراضياً؟ ماذا لو أنه واقعٌ حقيقي متكامل، وما تعتبره لعبة فيديو هو حياةٌ حقيقية، وقصة واقعية إنما في عالم آخر.
ليس اللافت في المسلسل القصة فحسب، بل إنها الطريقة التي تقدّم بها الحبكة والقصة. إننا أمام لعبة فيديو بكامل تفاصيلها: تارة ننتقل إلى الحرب العالمية الثانية لنقاتل النازيين، ثم إلى لندن الحديثة راكبين دراجةً ناريةً مخترقين الشوارع بحثاً عن مهمةٍ خطرة، ناهيك بالواقع الحقيقي نفسه، حيث الأمور أقل بهرجةً وجمالاً. في المسلسل، يتمظهر الواقع الافتراضي/ الملعوب بشكلٍ يفهمه أي لاعب فيديو: الأسهم التي تشير إلى الطريق وتدلّ اللعب إلى وجهته، الصوت الإرشادي الذي يوضح تفاصيل ما حوله، الأشياء ــ كالدراجة النارية ــــ التي تختفي حال ترك اللاعب لها؛ الثياب المبهرجة/الفخمة التي تضفي إحساساً بالفخامة لا يمكن إيجادها في الواقع المعاش، فضلاً عن الأماكن الأثرية والتاريخية التي لا يمكن لأفراد طبقات المجتمع الوسطى أن يدخلوها كالقصور الفارهة أو قصر باكينغهام الملكي البريطاني وسواهما... كلُ شيءٍ في العمل يوحي بأن المشاهد هو أمام لعبة فيديو لا مسلسل يحوي قصةً متكاملة. لكن هذا كله لا يمنع من أن تنساب القصّة بشكلٍ سلس وسهل. مثالاً، تأتي النقاشات في المسلسل لتفتح الباب أمام تفاصيل القصة: تناقش فلين صديقتها بيلي آن عن «واقعية» ألعاب الفيديو؛ وتسأل: «لماذا يريد الناس في تلك الألعاب فعل أشياءٍ سيئة.. لقد أوسعوني ضرباً من دون سبب، لقد كان أمراً غير منطقي». بذلك، تطرح إشكالية مهمة تتعلّق بالعنف في ألعاب الفيديو، وهو الأمر الذي طرح مراراً سواء عبر باحثين في المجال النفسي أو من مؤسسات اجتماعية مثل «تجمّع الأطباء النفسانيين» الأميركي (American Psychological Association). أشار الأخير في تقريرين أصدرهما هذا العام إلى وجود «علاقة بين العنف وألعاب الفيديو»، لكنه عاد ونفى أن تكون الألعاب هي المسؤولة المباشرة عنه. في الوقت عينه، وقبل سنوات، طرح كاتب بريطانيٌ مجهول عبر إحدى صفحات ألعاب الفيديو نقاشاً حول «الحروب القادمة» التي سيشارك فيها لاعبو «ألعاب فيديو» يقودون «مقاتلين حقيقيين» في الواقع الحقيقي.
يطرح العمل إشكالية تتعلّق بالعنف في ألعاب الفيديو


أدائياً، كلوي غرايس موريتز واحدة من النجمات الحقيقيات لجيلها، بدأت كطفلة موهوبة في أفلام مثل The Amityville Horror (2005)، أو مسلسل «زوجات يائسات» (Desperate Housewives 2006–07) وسرعان ما تحوّلت إلى نجمةٍ كبيرة، على عكس كثيرات غيرها بدأن كنجمات طفلات ثم فقدن موهبتهن لاحقاً. موريتز تستطيع التأدية بسهولة بالغة حتى لتبدو كما لو أنها خلقت للدور. جاك راينور بدور شقيقها كما شخصيتها/ أفاتارها في لعبة الفيديو، هو واحد من أهم الممثلين الأميركيين الشباب حالياً. بعد أدائه الجيد في أفلام مثل «ماذا فعل ريتشارد» (2012) أو «المتحولون: عصر الانقراض» (Transformers: Age of Extinction)، يطل في هذا المسلسل مقدماً أداءً واضحاً لموهبته. الأمر نفسه ينسحب على الممثلتين أدلين هوران بدور بيلي آن بيكر، والبريطانية شارلوت رايلي. كلتا الممثلتين قادمتان بقوة من المسرح إلى الشاشة. يذكر أن الكاتب سكوت سميث كان قد عرفه المشاهدون عبر فيلم A Simple Plan عام 2008 مع المخرج سام رايمي، وقد فاز عنه بجائزة أفضل نص مقتبس من الأكاديمية الأميركية.
يستحق مسلسل «العالم المحيط» (The Peripheral) المشاهدة، لا بسبب نقاش واقعيته من خياليته، بل لأنّه يفتح باب الخيال البشري على أوسع مداركه.

* The Peripheral على «أمازون برايم»