منذ اللحظة الأولى التي يُطل فيها عبدالله الفولي (خالد الصاوي) في «أعمل إيه» (كتابة محمد الحنّاوي ـ إخراج أحمد عبدالحميد، إنتاج «سينيرجي»)، يشعر المشاهد أنه أمام مسلسل جميل، حميم، فيه الكثير من الكوميديا والواقعية معاً. إنه مسلسلٌ يلخّص الأحداث العادية لعائلةٍ مصرية تعيش تجاربها اليومية، خارج البروباغندا المعتادة للدراما الرمضانية. بات معتاداً في شهر الصوم أن يغرق المشاهد -كما الأعمال الدرامية- في لجةٍ من قصص ثقيلة تدور في فلك البلطجة، الإجرام، الدراما النفسية المعقّدة، والصراعات البوليسية/ السياسية/ المخابراتية. على الجانب الآخر، يميل منتجو الدراما العرب خارج رمضان إلى إنتاج مسلسلاتٍ أخف وطأةً لأنهم يجدونها ربما أقل إثارة للضجة من تلك الرمضانية حيث سوق المنافسة أقوى وأشد؛ وهذا بالتأكيد خطأٌ فادح، فمسلسل «رمضان كريم» (2017، كتابة أحمد عبدالله وإخراج سامح عبدالعزيز) حقق نجاحاً كبيراً مع بساطة قصته، ومباشرته، وواقعيتها.يقدّم «أعمل إيه» قصة عائلة مصرية تتكون من عبدالله الفولي (خالد الصاوي) الذي يعمل كمهندس للصوت في «هيئة الإذاعة والتلفزيون المصري» (مبنى «ماسبيرو»). الفولي متزوّج من إيناس جابر (صابرين) مديرة المدرسة الحازمة واللطيفة في آن، ووالد أربع فتيات هن: شادية (نور إيهاب) الإعلامية المتخرّجة حديثاً، والرياضية والعنيفة بعض الشيء فايزة (إيمي الجندي)، واللطيفة والمهذبة نجاة (وردشان مجدي) والطفلة الشقية سومة (بيلار أحمد). طبعاً القصص اليومية التي سرعان ما يبدأ الفولي بإخبارنا إياها، تبدأ منذ الحلقة الأولى حين تضيع سومة ويظن الجميع أنها خطفت. نكتشف أنّها ببساطة طفلة شقية تهرب من المدرسة التي تديرها والدتها، لكي تنفذ «وظيفة طلبتها مدرّسة العلوم»، وسرعان ما تتعقّد الأمور. في الوقت نفسه، تضرب فايزة أحد زملائها في الجامعة لأنه «تحرّش» بزميلتها. تتعقّد المسائل، لكنها كعادة هذا النوع من المسلسلات تحل سريعاً ولو أنها أخذت أبعاداً كثيرة كالواقع تماماً.
أدائياً، يمتلك خالد الصاوي مهارةً تساويه مع عمالقة الدراما المصرية عامةً. يستطيع أن يقنعك بأنه عبدالله الفولي الموظف في ماسبيرو ووالد هؤلاء الفتيات بكل ما للمباشرة من معنى. بدورها، تنجح صابرين في أداء أدوارها، لكنها تبالغ أحياناً، خصوصاً في الكوميديا. المشكلة أنها فعلياً تمتلك المهارة لتكون إحدى أفضل مؤديات جيلها، كما فعلت في «أم كلثوم» (1999) أو في دور زينب الغزالي في «الجماعة» (الجزء الثاني 2017). تؤدي صابرين هنا دور الزوجة القوية، ومديرة المدرسة الناجحة، لكن تجارب الحياة وتفاصيلها تنهكها أحياناً. علماً أنّ المسلسل يعيد الصاوي وصابرين إلى التعاون مجدداً بعد تعاونهما الأخير في مسلسل «ليالينا» (2020) و«أم كلثوم» (1999) قبل عشرين عاماً.
يستعيد تيمات المسلسلات المصرية في الثمانينيات والتسعينيات


في المجمل، المسلسل خفيف ذو روحٍ مرحة، وإن لا يعتبر كوميدياً بشكل عام، إذ يتناول قضايا اجتماعية مثل التحرّش والتشهير، ويستعيد تيمات المسلسلات المصرية في حقبتي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مثل «العائلة» (1994) و«رحلة السيد أبو العلا البشري» (1986) التي قاربت فكرة «الشخص المثالي» الذي يربي عائلته على الأخلاق الحميدة والصلاح، والمثالية وتحل المشكلات للجميع بطريقة شبه رومانسية. صحيحٌ أن الكاتب الحناوي حاول الخروج من كلاسيكية الممثل محمود مرسي (بطل «العائلة» و«رحلة السيد أبو العلا البشري»)؛ وأدخل الكثير من واقعية العصر كالسوشيال ميديا، إلا أنه ظل يدور في فلك هذا النوع من الشخصيات المحبب لدى الشارع المصري والعربي (شخصية «أبو ملحم» في التلفزيون اللبناني كمثال). في الإطار عينه، يقارب المسلسل الجو العام للشارع المصري بكل تناقضاته وأحداثه. هو يبتعد بالتأكيد عن الدراما الثقيلة والتمثيل الكلاسيكي الشكسبيري/ الستانسلافسكي إذ يؤدي معظم الممثلين بسهولة وانسيابية أكثر، فلا مشاهد أو كادرات معقدة، بل معتاد الدراما المصرية التلفزيونية: باختصار ليست هناك وقفات كتلك التي نجدها في مسلسلات أسامة أنور عكاشة أو حتى أخيراً محمد سليمان عبدالملك. يعاب على المسلسل شيءٌ واحد هو عدد حلقاته الكبير، كأنّه ينافس المسلسلات التركية والمكسيكية، في حين أنّ المسلسلات الأميركية -سواء أنتجتها «نتفليكس» أو غيرها- تقوم على خمس أو عشر حلقات على الأكثر.
«أعمل إيه» مسلسل خفيف، يستحق المشاهدة، فيه قصص يومية عادية، بأداء ممثلين موهوبين. لكن هل هو عمل لا ينسى؟ بالتأكيد لا، لكنه على الأقل أفضل بكثير من المسلسلات العربية المشتركة ذات الميزانيات الضخمة والبهرجة في التصوير والديكور.

* «أعمل إيه» على منصة WATCH IT