بدأت صحيفة «عرب نيوز» السعودية، بنشر قوائم أطلقت عليها تسمية «دعاة الكراهية». بحسب تعريف رئيس التحرير فيصل عباس، ترمي هذه القائمة إلى تتبع وتوثيق «ايديولوجيا التطرف، ومحاسبة رجال دين وكتاب ونشطاء على أعمالهم، وتحليل تأثير كلماتهم على شعوب العالم». المثير للسخرية أنّه قبل عام 2017 ـــــ المرحلة التي سبقت وصول محمد بن سلمان إلى سدة الحكم كولي للعهد والحاكم الفعلي للمملكة ـــــ كان الكتاب والمثقّفون الذين يروّجون للانفتاح والتعددية يودَعون السجون. لسنوات، عُلِّقت المشانق، بتهم جاهزة وقوائم تكفيرية سمّيت يومها بقوائم «دعاة العلمانية» بهدف التشهير بهم وبكتاباتهم.

اليوم، ترمي «مملكة الترفيه» كل تاريخها في صناعة التطرف والمتطرفين... البلد المشهورة بحفلات تكسير الأعواد، وطوابير رجال الدين على قصر الأمير لمنع الرياضة في مدارس البنات، ومنع الحفلات والموسيقى والسينما والكتب... كل ذلك انتهى، نزولاً عند رغبة ابن سلمان في تخفيف الطابع الديني المتطرف لحكم الأسرة السعودية، التي جسّدها «مطاوعة» كانوا الجسم الديني للدولة وحراسها المأمورين. هم روّجوا بالعلن كراهيتهم لتغريب المجتمع والانفتاح على كل جسم خارج عباءتهم الوهابية، إلى أن صدر الفرمان الأميري بالقضاء على كل من قال لا للسياسة الجديدة، من الترفيه وصولاً إلى رفض التطبيع مع الصهاينة. وصمة الإرهاب باتت جاهزة، تُرمى على كل من يغضب سموّه أو يعارض سياسته الجديدة. ولهذا السبب بحسب زعم الصحيفة الناطقة باللغة الإنكليزية، جاءت «قائمة الكراهية»، لكون «الإرهاب ليس له لون ولا إيمان ولا أيديولوجية سياسية فريدة. لن نستثني أي دين أو جنسية أو جنس أو معتقد سياسي. سوف نفضح دعاة الكراهية من المسلمين واليهود والمسيحيين أو أي ديانة أخرى، بما في ذلك السعوديون».
ألحقت «عرب نيوز» التقارير المكتوبة بمقاطع صوتية وتسجيلات مصوّرة تدين كل من تشمله القائمة، على قاعدة «لا يمكن أن يكون هناك تسامح مع عدم التسامح». حوالى 29 اسماً بدأت فيها الصحيفة التي تصدر من الرياض. وخلت القائمة المختارة بعناية، من أسماء جورج بوش الابن، وكوندليزا رايس وكولن باول، مهندسي حرب العراق، حتى أرييل شارون وشمعون بيريس ونتنياهو مهندسي الحروب على العرب والفلسطينيين. وتضمّنت القائمة أسماء من لا يغضب لذكرهم الراعي المحلي والغربي من رجال دين سعوديين، عاشوا مجدهم الخاص والعام يوم كان نظام المملكة يشجع على «الجهاد» في أفغانستان والعراق والشيشان، وتضمّنت أيضاً أسماء رجال دين يهود، ومدونين غربيين، ومشاهير آسيويين بوذيين وهندوس عرفوا بتطرفهم وكرههم للعرب والمسلمين.
تصدّر القائمة السعودية، اسم رجل الدين السعودي، سعيد الغامدي، الذي تسجل له هجومه في كتابه «الانحراف العقدي في أدب الحداثة وأيديولوجيا الحداثة» على الأدب الحديث المتأثر بالمدارس الفكرية الغربية، كونه «انحرافاً أيديولوجياً عن الإسلام، وجزءاً من مؤامرة على الدين». أسقط التقرير عن الغامدي، أنّه أمضى غالبية عمره في المملكة وحصّل تعليمه الأكاديمي في جامعاتها، وعُيِّن أستاذاً مساعداً في قسم العقيدة في كلية الشريعة في «جامعة الملك خالد» في مدينة أبها... إلى أن ضربت موجة الترفيه والتحديث الاجتماعي الذي انتهجه محمد بن سلمان. موجة يصفها الغامدي بأنّها مؤامرة تغريبية من قبل «الاستعمار» باسم التنمية، على حدّ تعبيره.
كما ورد اسم عمر عبد العزيز ، الناشط السعودي والمدون على موقع يوتيوب. اشتهر عمر قبل سنوات من خلال برنامجه «فتنة» الذي ينتقد سياسات النظام السعودي، من منفاه في مونتريال الكندية. اشتغل عبد العزيز مع جمال خاشقجي على مشاريع عدة منها «جيش النحل الإلكتروني» في مقابل «الذباب الإلكتروني» التابع لحكومة الرياض. وبعد مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2018، عمل عمر على برنامج جديد حمل عنوان «قلها وامشِ». عبارة كان خاشقجي يستخدمها للتعريف عن نفسه عبر موقع تويتر. تقرير الصحيفة السعودية يتّهم المدون عبد العزيز بإظهار دعمه لتنظيم «داعش» في سوريا والعراق وحركة «حماس» الفلسطينية.
وكان الداعية سفر الحوالي المذكور في قوائم «عرب نيوز» للكراهية، قد اعترض قبل اعتقاله على إنفاق الحكومة السعودية حوالى 65 مليار دولار على الترفيه ودور السينما، متسائلاً «ألن يكون من الأفضل إنفاق هذه المليارات على الاستعداد للجهاد؟».
وبحسب التقرير، برز الداعية سلمان العودة، صوت «الصحوة الإسلامية» في الثمانينيات والتسعينيات، حين اعتبر يومها أنّ التلفزيون عمل شيطاني، لكنه عاد وبنى شهرته الدعوية في المجتمع المحلي والخليجي من خلاله. حتى إنّه تم تخصيص برنامج لعرض أفكاره على قناة «أم. بي. سي» حمل عنوان «الحياة كلمة». ويعدّ العودة من العلماء الذين رفضوا فكرة التغريب ووجود قواعد أميركية في المملكة والخليج، واعتقل بسبب ذلك مرات عدة. وكانت المرة الأخيرة في أيلول (سبتمبر) 2017، بتهمة تقول عنها «منظمة العفو الدولية» بأنّها تغريدة على تويتر رحّب فيها بمصالحة محتملة بين السعودية وقطر. تمت المصالحة بين الأشقاء الخليجيين أخيراً، لكن العودة بقي في المعتقل حتى إشعار آخر!
وينضم إلى «دعاة الكراهية»، عوض القرني، الأستاذ في «جامعة الإمام محمد بن سعود» الإسلامية في الرياض. القرني كان لسنوات طويلة نجم القنوات السعودية ومفتيها المفضل. كل ذلك انتهى بعد الخلاف الخليجي مع قطر. إذ اعتُقل على إثرها ومُنع من الكتابة، واتُّهم بتلقي أموال ضخمة من حكومة قطر، ونشر محتوى على تويتر من شأنه أن «يعرّض النظام العام للخطر ويثير الرأي العام» بحسب المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض التي تتعامل مع قضايا الإرهاب.
قوائم طويلة ومواد مكتوبة بجهد وعناية، نختار منها، اسم المغنية الهندية لاكسمي دوبي، صاحبة مقولة «كل بيت سيكون زعفراناً» التي تروّج لسيطرة الديانة الهندوسية على جميع الأديان في القارة الهندية. تزين دوبي خلفيات أغانيها المصورة بألوان تمثل الهندوسية أو ما بات يعرف بموسيقى «بوب الزعفران» الذي يعتمده القوميون المتطرفون، وتتعهد في كلمات أغانيها بقتل أي شخص يعترض طريق بناء معبد «الإله راما» مكان مسجد بابري في مدينة أيوديا شمال البلاد، والذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر.
حوت القائمة أيضاً الفرنسي روبير مينار، أحد مؤسّسي منظمة «مراسلون بلا حدود» وبقي يرأسها حتى عام 2008. لكنه منذ انتخابه رئيساً لبلدية «بيزييه» جنوب فرنسا، لا يخفي أفكاره المعادية للهجرة والمسلمين بشكل علني. يورد التقرير إنه بعد الهجمات الإرهابية على مجلة «شارلي إيبدو» عام 2015، أصدر مينار تصريحات معادية للإسلام بشكل صريح، مدعياً أنّ المسلمين يكرهون الغرب ببساطة وبدون أسباب، سوى أنّ «دينهم لا يذوب في الديموقراطية»!
لسنوات، عُلِّقت المشانق بتهم جاهزة وقوائم تكفيرية لـ «دعاة العلمانية» بهدف التشهير بهم وبكتاباتهم


ومن الأسماء الأميركية، باميلا جيلر الناشطة ضد الحضور الإسلامي في الولايات المتحدة. وقد استضافت، مسابقة رسوم كاريكاتورية حملت عنوان «ارسم النبي»، وحصل الفائز على جائزة قدرها 10 آلاف دولار. وبعد تأسيس «أوقفوا أسلمة أميركا»، ترأست جيلر منصب المدير التنفيذي لمنظمة «أوقفوا أسلمة الأمم» التي «تسعى إلى إنشاء تحالف عالمي لمعارضة تقدم الشريعة الإسلامية» بحسب جيلر.
إذاً حاكم السعودية الجديد وضع خطته البديلة لعصر النهضة السعودي: تدمير شبكة رجال الدين وصناعة التطرف الذي طبع وجه المملكة لعقود، وإعطاء الشعب المزيد من الحريات الاجتماعية والترفيه في مقابل القبول سلطة سياسية فيها الكثير والكثير من الاستبداد.