في معظم الدراماتورجيات الهزلية، يظهر الممثل الكوميدي، في نشوة الهزل المطلق. هو ــ بحسب المنظّر باتريس بافيس ــ «كما المجنون... ومظهره الخارجي، يسمح له بأن يعلّق على الأحداث، من دون أن يخشى العقاب. ويرى بكل بساطة، ما تعجز حكمة الآخرين عن إدراكه». هذا ما يمكن أن ينطبق على الممثل الكوميدي حسين قاووق، خصوصاً بعد الحملة التي تعرّض إليها، مع المخرج المسرحي والممثل محمد دايخ، على إثر عرض مشهد كوميدي على شاشة قناة «الجديد»، قبل أشهر خلت، وانطلاق حملات ضدهما، من قبل بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ «اسحلو من شعرو». ابتداءً من اليوم، يعود الثنائي في عرض «ستاند أب كوميدي» بالعنوان ذاته (60 د ـــ إخراج: محمد دايخ ــــ كتابة: حسين قاووق ومحمد دايخ)، على خشبة «مسرح المدينة». ويشارك في الأداء الافتتاحي، حسين دايخ، الذي يفتتح العرض، بأسلوب كوميدي، محبب ولطيف. بعد غياب سنتين عن تقديم قاووق عروضاً مماثلة، يأتي الـ «ستاند أب كوميدي» متصلاً بالسياق المباشر الذي يعيشه اللبنانيون، من أزمات متلاحقة. كما يعرّي النفاق المجتمعي والعنصرية المقيتة. يظهر حسين قاووق، كعادته، بصدق، وعفوية، وفطرية، بعيداً عن المسميات والمفاهيم والمصطلحات الكبرى، في مقاربته للواقع المعاش. يقول لنا إن محتوى العرض غير محصور بالجمهور اللبناني، بل يطال شرائح مختلفة من المنطقة العربية أيضاً.
قد يكون غير رائج، تقديم «ستاند أب كوميدي» على خشبات مسارح كـ «المدينة»، إذ عادةً ما تقدم عروض مماثلة، على خشبات «الشانسونيه». في هذا الإطار، يقول قاووق إن الهدف من إقامة العرض في هذا المكان بالتحديد، هو استقطاب الجمهور إلى خشبات المسارح، وتفعيل العمل الثقافي، وتحفيز حاسّتي السمع والبصر، لدى الجمهور، وتفعيل تلقيه، وانتباهه، بخاصة لناحية محتوى العرض.
«الجمهور الذي يرتاد مسرحياتنا، قد لا يكون بأغلبه، معتاداً على ارتياد المسارح، وهذا طبيعي بفعل التهميش وعدم الإنماء الثقافي المتوازن». لذا، يأتي «اسحلو من شعرو» بهدف تفعيل ثقافة المسرح، وإيصالها إلى كل الفئات، و«هذا جلّ ما نطمح إليه» وفق ما يؤكد قاووق، مضيفاً: «لا نفرض أسلوب حياة، أو مقاربات لطريقة عيش محددة على الجمهور، بل نتناول واقعاً، ونحاول تشريحه، ومن ثم سرده ضمن حبكة كوميدية». وعليه، يأتي «اسحلوا من شعروا» بعيداً عن الخطاب الأخلاقي والسياسي. «كل ما في الأمر أنّ العرض يلاحظ أموراً معينة، يعيشها الجمهور، وينقلها إليه من خلال عمل فني». إذاً، يقحم قاووق، كعادته، حكايات، وقصصاً، وطرائف، عاشها مع أهله، وناسه، ومحيطه، ويحوّلها إلى دعابة، تستدعي التفكير، وصياغة التساؤلات عن الراهن، كأن التراجيديا والكوميديا، تتساويان في هذا العرض.
يطرح الأزمة الحالية ويعرّي النفاق المجتمعي والعنصرية المقيتة


يقول قاووق إنه لمس من خلال العمل في المسرح، ترحيباً جماهيرياً كبيراً، ما يحتّم عليه مسؤولية مضاعفة اليوم، لعدم التفريط بكل ما تم بناؤه أخيراً. رغم أن شعبية قاووق تم بناؤها من خلال منصّتَي إنستغرام وفايسبوك، إلّا أن المسرح بقي منالاً يسعى إليه قاووق دائماً. «لا أطمح إلى أن أكون نجم سوشال ميديا»، فالمسرح يأتي في المقام الأول بالنسبة إليه. لعلَّه بذلك يقحم رواد التواصل الاجتماعي، في فضاءات جديدة، ومساحات ثقافية لم يعتادوها من قبل.
يشدّد قاووق على أن العرض، كما قبله، من إنتاج فردي وخاص، ولا «صناديق ثقافية أو جهات مانحة تموّل عروضه». وكذلك الأمر في ما يخص أي عمل تلفزيوني مرتقب.
يعاود حسين العمل المسرحي من بوابة الـ «ستاند أب كوميدي» ليطل على جمهور، قد تفرقه الصراعات الكبرى، لكن ما يجمعه هو التمزقات الاجتماعية، والأزمات المتلاحقة. ربما تختلف الآراء حول ما يقدمه قاووق، على قدر اختلاف الانتماءات، لكن الجامع الوحيد هو «الوجع» الواحد بين الجميع.