كالعادة، يفرض حاكم «مصرف لبنان» رقابة مسبقة على الإعلام، ولو وضعت بين يديه الأسئلة مسبقاً. ففي كل مرة يخرج فيها سلامة في مقابلة تلفزيونية (محلية)، تكون مسجّلة لا مباشرة. وإن كان البرنامج يضم جمهوراً، فإمّا يفرغ الاستديو أو يُرغم الحضور على الصمت (حلقة «صار الوقت» على mtv نموذجاً). أمس الثلاثاء، وفي كسر لقواعد برنامج «حوار المرحلة» على lbci، التزمت المحطة بالتعليمات وقامت ببث مقابلة مسجّلة مع حاكم «المركزي». الحلقة التي روّجت لها القناة، حتى في نشرة أخبارها المسائية، امتدت لساعة ونصف ساعة، حملت أجواء أكشن على هواتف اللبنانيين وعلى الشاشات أيضاً، إذ تزامناً مع بثها، داهمت دورية من «أمن الدولة» منزل سلامة في الرابية، إنفاذاً لقرار القاضية غادة عون، تنفيذاً لمذكرة صادرة بحقه، بعد أن رفض المثول مرتين أمامها في ملف التلاعب في موازنات «مصرف لبنان». هكذا، تسابقت خدمات الأخبار العاجلة على هواتف اللبنانيين، بين تصريحات سلامة ومحاولته تبرئة نفسه في ملفه القضائي والمالي على شاشة lbci، وبين حركة «أمن الدولة» أمام منزل سلامة، وانسحاب العناصر لاحقاً بعد تأكدهم من أن الأخير غير موجود في منزله. المقابلة التي أجريت في مقرّ «مصرف لبنان»، تعمّدت فيها المحطة إخراجياً إبراز صور حكام المصرف على مدى السنوات المنصرمة وعلى رأسهم رياض سلامة، ووصفتها رولا حداد بـ «الاستثنائية»، وتطرقت فيها إلى انهيار الليرة والتدقيق الجنائي والملف القضائي للحاكم داخلياً وأوروبياً. ففي وقت يُطلب فيه سلامة قضائياً وتتراكم في حقه دعاوى بالجملة تطاوله مع فريقه، يخرج في المقابل على اللبنانيين تلفزيونياً ليكرر ما قاله سابقاً عن «نظافة» كفه، وبراءته من أي تهم تطاوله، مصنفاً إياها ضمن الصراع السياسي ومحاولة النيل منه! سياق تشاركته معه حداد التي كررت مراراً سؤال «من يريد رأس رياض سلامة وبأيّ ثمن؟»، مع تركيزها على ما وصفته بـ «العهد العوني» الذي يلاحق سلامة. في الملفات المطروحة في الحلقة، والتي سبق أن تم تداولها في الإعلام، حاول مجدداً سلامة دفع التهم والدعاوى والملفات القضائية المساقة بحقه، والتي وضعها ضمن سلسلة «الضغوط السياسية» التي تُمارس عليه و«محاكمته إعلامياً». وحاول أيضاً التخفيف من وطأة الاستدعاءات القضائية أوروبياً، مؤكداً أنّه لم يُستدع إلى الاستجواب بعد. ظهور الحاكم بصورة الرجل الذي يتآمر عليه الكون، وتُلفّق له التهم واختياره «تحمّل المسؤولية» و«التخفيف» عن اللبنانيين في هذه الأزمة، راحت «الجديد» تساند سلامة عبر قطعها برمجتها ونقلها من الرابية لتحرّك «أمن الدولة». هكذا، قُطعت البرمجة لأكثر من مرة، لتكرار الرسالة عينها التي تفيد بأن سلامة غير موجود في منزله منذ زمن طويل، وأن ما يحصل اليوم يندرج ضمن «الضغوط السياسية» التي تمارس عليه لتحقيق «التسويات السياسية»! باختصار، ما حصل أمس تلفزيونياً لا يمكن وصفه إلا بالمهزلة؛ تلميع صورة رجل مطلوب قضائياً من جهة فيما تُلاحق الكاميرات تحركاً أمنياً أمام منزله، لمساندته وتحويل ارتكاباته إلى ملف مفبرك ومسيّس!