لطالما تشدّق الغرب بديموقراطيّته، و«تقبّله الآخر» مهما كان اختلافه عنهم. لكنّ هذا الخطاب يتغيّر فجأة عند التعاطي مع القضية الفلسطينية وأنصار المقاومة. ولا ريب بأنّ ما يحدث مع الناشط والمناضل خالد بركات خير دليل على ذلك. الكاتب الفلسطيني المعروف الذي يعيش في كندا، يتعرّض هذه الأيام لحملة شرسة بدأتها صحيفة «ناشيونال بوست» الكندية المحسوبة على المحافظين. إذ نشرت صورته على صفحتها الأولى مع عنوان: «القضية المثيرة لخالد بركات». في هذا المقال، شنّت «حركات صهيونية ويمينية مؤيدة للعدو الصهيوني» حرباً على بركات متهمةً إياه بأنه «شخصية فلسطينية خطيرة تعمل ضد الصهاينة وتُعادي السامية». أمرٌ يصفه بركات بأنه «محاولات خبيثة ويائسة من الحركة الصهيونية لإعادة تعريف معنى «معاداة السامية»؛ والقول بأنّ أي نقد للكيان الصهيوني هو نقد لليهود وأنّ نقد الصهيونية يعني نقداً لكلّ اليهود» وفق ما يقول بركات لنا. ويرى أنّ ما يحصل معه: «أكبر من مجرّد هجوم شخصي. هو حملة عنصرية غير مسبوقة تشنها الصحافة الصهيونية والدوائر اليمينية المعادية» ليس ضد بركات فحسب، بل أيضاً ضد شبكة «صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينين» وغيرها من منظمات تشارك في «حركة المسار الفلسطيني الثوري البديل». هذه الحملة الجديدة تُديرها أجهزة وأدوات الكيان الصهيوني وسفارته وقوى اليمين العنصري الفاشي». ويُشير خالد إلى أنَّ وزارة «الشؤون الإستراتيجية» في الكيان الصهيوني، تحرّض ضد شبكة «صامدون». وكانت قد فعلت ذلك من قبل، وأدى ذلك إلى التضييق على بركات وطرده من ألمانيا سابقاً. لكن هنا يُطرح سؤال: لماذا الآن؟ وما هي «الحكمة» الصهيونية في طرق هذه القضية اليوم؟ لماذا يحاصر خالد ورفاقه في أوروبا وأميركا الشمالية؟ يجيبنا بأنّ «الحملة الجديدة تأتي في فترة تواجه فيها الحركة الصهيونيّة في أميركا الشمالية مأزقاً حقيقياً بسبب تصاعُد المشاركة الشعبيّة الفلسطينيّة والعربيّة في العمل العام من أجل فلسطين. اتّسعت هذه المشاركة منذ هبة أيار المجيدة في العام الماضي (معركة سيف القدس). ومن يتابع تصريحات سفير الكيان في كندا رونين هوفمان ومقابلاته الإعلامية، يدرك بسهولة عمق الأزمة والتحديات التي تواجه الكيان في هذه الفترة». ويُضيف: «تشهد حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في الجامعات والنقابات والكنائس الكندية وغيرها من الساحات تنامياً وصعوداً مُتسارعاً في الفترة الأخيرة أيضاً. فالمجالس الطلابية في كبرى الجامعات الكندية، صوّتت لصالح قرارات هامّة لمقاطعة «إسرائيل» شملت جامعات أساسية مثل «بريتش كولومبيا»، «ماكغيل»، «كونكورديا»، «سايمون فريزر» وغيرها».
إذاً، يخشى العدو الصهيوني خطر تعريته وكشفه، وهذا ما لا تقبله لا المؤسسات الصهيونية ولا تلك الداعمة لها في الغرب. يتفاءل خالد كثيراً بالأجيال الغربية القادمة، مشيراً إلى أنّه يلحظ «التغيير الذي يُحدثه الجيل الجديد من الطلبة والشباب في الجامعات الكندية والمتغيرات في فضاءات متعدّدة أخرى مثل الفن والثقافة والإعلام البديل. وهناك جيل فلسطيني - عربي في الشتات أيضاً، وُلد بعد اتفاق أوسلو 1993 التصفوي، ويريد التغيير والمشاركة الحقيقية في تصويب الحوار/ البوصلة نحو فلسطين. كما أنّ مشاركة الأجيال الجديدة الشابة في الشتات باتت تربك حسابات ومؤسَّسات الكيان الصهيوني. يُضاف إلى كلّ هذا جيل «يهودي» مختلف تربّى في أميركا الشمالية صار ولاؤه للكيان الصهيوني أقل بكثير من ولاء الآباء والأجداد. فجزء منه يناصر الحقوق الفلسطينية بالمعنى الإنساني العام. بعضهم يؤيّد مقاطعة الكيان الصهيوني، وبعضهم يُشارك في دعم حق شعبنا في المقاومة بكلّ الوسائل من أجل العودة وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وان كانت هذه أقلية حتى الآن».
أما عن الاتّهامات التي توجّه إلى بركات وهي الانتماء لـ «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، أو تأييده لتنظيمات «إرهابية» وفق ما تروّج «الدعاية الصهيونية»، فيؤكّد لـ «الأخبار» أنَّ «القوى الصهيونية والمؤيدة لها تحاول خلق فزّاعات؛ وتريد استخدام قانون تجريم الجبهة وكلّ مؤسسة أو جمعية ذات طابع ثوري ويساري. يكفي أن تنظّم نشاطاً ثقافياً في ذكرى استشهاد غسان كنفاني حتى تُتهم بالانتماء إلى الجبهة. هذا ما حدث مراراً مع «حركة الشباب الفلسطيني» في كندا». حتى إنّ فكرة «إعادة تعريف معاداة السامية لم تأتِ بشكلٍ عبثي، بل لأنَّ في ذلك مصلحة مشتركة مع حلفائها في الغرب، وهي رفع المسؤوليّة التاريخية والأخلاقية عن كاهل ألمانيا ومسؤوليّتها عن المجازر التي جرى ارتكابها ضد اليهود وغير اليهود، وإلقائها علينا نحن العرب والمسلمين باعتبارنا «مسؤولين عن المحرقة» و«معاداة السامية»؛ إنها إعادة إنتاج للتاريخ والرواية وتوظيفها مجدداً في خدمة الاستعمار والقوى المعادية.
المجالس الطلابية في كبرى الجامعات في كندا صوّتت لصالح قرارات هامّة لمقاطعة «اسرائيل»

في الوقت نفسه، يستخدمون فزّاعات «حزب الله» و«حماس» لتجريم المؤسسات والشخصيات الناشطة في الإطار المقاوم، كما فعلوا مع «مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية» في الولايات المتحدة، و«مركز العودة الفلسطيني» في بريطانيا وغيرهما». ويوضح بركات بأنه ليس هناك علاقة سياسية أو تنظيمية أو مالية أو عضوية مع «الجبهة الشعبية»، لكنّ الحركة الصهيونية ومؤيديها «يريدون تجريمنا مهما كان الثمن؛ وهم فعلوا ذلك مع «رابطة فلسطين ستنتصر» في فرنسا و«شبكة صامدون» لأنها منظمات تقوم بحملات مؤثرة من أجل الأسرى في سجون العدو وتطالب بتحرير القائد أحمد سعدات والأسير اللبناني في السجون الفرنسية جورج إبراهيم عبدالله. لست الوحيد من يتعرض لهذه الهجمة العنصرية. الأكاديمية الفلسطينية رباب عبد الهادي في جامعة سان فرانسيسكو والناشطة الشبابية ناردين كسواني في نيويورك وغيرهما تعرّضن لهجمات أكبر».
إنه تضييقٌ على حرية الرأي وتقييد للتعبير والحق في التنظيم. هذه هي خلاصة القول وفحواه، فهل ينجح بضعُ شراذم من الصهاينة ومؤيدوهم في كتم صوت فلسطين؟