تواصل السعودية ضغطها الإعلامي على سعد الحريري من أجل الدعوة الى مشاركة «الشارع السني» بكثافة في الانتخابات النيابية اللبنانية، فإذ بها تؤكّد المؤكد: التدخل السعودي في الانتخابات بات مكشوفاً. بالسياسة والمال، تحاول الرياض فرض وقائع جديدة تعطيها حصةً كبيرة في لبنان، تعويضاً عن خساراتها في اليمن والمنطقة. الحملة الإعلامية الجديدة هذه المرة ليست ضد «حزب الله» وليست معه بطبيعة الحال. بل إنّ الحريري، حليفها السابق وضحيتها الجديدة، هو الذي يقف اليوم في مرمى نيرانها العشوائية. صدرت الأوامر للصحف السعودية ببدء حفلة شتم بحقّ رئيس تيار «المستقبل»، بعد قراره بمقاطعة الانتخابات النيابية. كأن حادثة خطفه، وصفعه، وركله، وإجباره على الاستقالة في الرياض عام 2017، والطلب منه تعليق نشاطه السياسي لم تحدث. سيل الإهانات الملكية لم يتوقّف. طُلب منه العودة ليدير الحملة الانتخابية للحلفاء الجدد للمملكة. وإذا لم يسمع لطويل العمر، فإن سُنّة لبنان سيدفنون «الجيفة السياسية» و«أشباه الرجال» في 15 أيار (مايو). أيام قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية. استحقاق يجري في ظل الانهيار الاقتصادي والحصار الأميركي والشهوة السعودية، لوضع حجر أساس للخراب الجديد. حجتهم في الهجمة المستجدّة هي استعادة الدولة «المخطوفة بالسلاح»، غنيمة محور «ملالي طهران».

صحيفة «عكاظ» تصدّرت حملة النظام السعودي على سعد الحريري. حرب يومية ومقالات وموادّ ليست غريبة على لغتها الإعلامية، لكنها جديدة نوعاً ما ضد حليف سابق تربّى على يديها وخرج من عباءتها. وبحسب مقال لمحمد الساعد حمل عنوان «سعد الحريري... أنا أو لا أحد»، يبدو سعد «بعد سبعة عشر عاماً مختلفاً تماماً عن ذلك الشاب الذي كفكفت دموعه المملكة إثر اغتيال والده في فبراير 2005، فقد التحى كما الإيرانيين، ولم يبقَ إلا أن يخلع الكرافتة، ليكون أقرب إلى منتظري»، متهمةً إياه بـ «التشيّع السياسي» والارتماء في «أحضان طهران»، بدعوته الطائفة السنية إلى مقاطعة الانتخابات، خدمةً لقتلة والده بعد فشله سياسياً واقتصادياً، والعمل على تشتيت الأصوات السنية، فمن باع دم والده مقابل عدم فتح ملفات الفساد التي تورّط فيها، لن يتوانى في تقديم قرابين الرضا لأعداء لبنان من أجل الحفاظ على مصالحه الشخصية».
وبحسب الصحيفة، الحريري فاشل وساذج يخلط بين الشخصي والسياسي، ويخدم خصومه ضد حلفائه. المثير للسخرية أنّ اللوم السعودي عليه بعد تحطيمه من قبل محمد بن سلمان، أنّه لا يستخدم «الموقع السني الأول» وأوراق القوة الجماهيرية التي تبقّت بين يديه، من أجل دعم جعجع والسنيورة وجنبلاط، ومطالبته بمواجهة المشروع الإيراني وأدواته في لبنان. كأنه يقدر على ذلك، خصوصاً بعد نفيه إلى الإمارات للعمل بالسخرة لتسديد ديونه إلى المملكة. يختتم الساعد مقالته الموجّهة من الديوان الملكي، لتذكّر بحالة الضعف التي ظهر عليها الحريري بعد اختطافه واحتجازه في المملكة قبل سنوات قليلة، بالقول: «إن فرصتك التاريخية حانت، وربما لا تستحقّها، لكنها أتت على الرغم من أنك لم تقدم الثمن التاريخي لها، ولذلك عليك أن تنحاز لوطنك أولاً ولطائفتك ثانياً التي حطّمتها باستسلامك لحزب الضاحية وزعماء الطوائف، قبل أن تسمع ذات يوم «ابكِ سعد.... وطناً لم تحافظ عليه مثل الرجال»».
صحيفة «عكاظ» تصدّرت الحملة في مقابل صعود هاشتاغ «مقاطعة لعيونك»


وعبر مقال للكاتب اللبناني حنا صالح، ألقت صحيفة «الشرق الأوسط» اللوم على الحريري بتعليق عمله السياسي ومنع الترشّح باسم «المستقبل» كونه صاحب القرارات الخاطئة، و«التسويات المذلة مع حزب الله»، بحسب صالح. «بدت الدعوة للمقاطعة تسديد فواتير لاحقة لحزب الله تمكنه من حجز مقاعد سنية مستفيداً من «بلوكاته الانتخابية» مقابل التراجع في نسبة التصويت!».
من جانب آخر، علّقت صحيفة «الجزيرة» على الحريري، في مقال للكاتب خالد المالك، حمل عنوان «الانتخابات اللبنانية بلا أصوات سنية» بالقول إنّ «غياب السنة بكامل أصواتهم أو بعضها، إنما يصبّ في مصلحة حزب الله، الذي سيملأ الفراغ السني سواء من ذوي المذهب الشيعي، أو من ذوي المذهب السني الذين سوف يتحالفون مع حزب الله لمصالح ذاتية وشخصية، وفي هذا خطورة على مستقبل لبنان، وجرّه ليكون تابعاً لإيران، وتكريس بيروت بوصفها إحدى العواصم الإيرانية».
وفق الماكينة السعودية وسياستها، السنّة في خطر، لكنهم سيواجهون الدويلة حتى قيام الدولة. بحسب «عكاظ»، كتب زياد عيتاني في بكائية رديئة إنّه «في 15 مايو، سيدفن سُنّة لبنان كل الجيف السياسية التي أنهكتهم طوال تلك السنوات، سيدفنونها من دون أن يضعوا شاهداً على قبورها في مقابر الغرباء، من دون أن يلتفتوا إليها وهم يغادرونها، لقد أصابتهم التخمة من أشباه الرجال». ومع انطلاق عملية اقتراع اللبنانيين في الخارج وصعود هاشتاغ «مقاطعة لعيونك» على تويتر اللبناني وتحوّله إلى «تريند»، تجاهل إعلام الرياض تدنّي نسبة المشاركة في السعودية، لكن ذلك لم يمنع الدولة التي تطبق نظام التعيين لبرلمانها (الشورى)، من إظهار الدعم الكامل لحملات «حزب القوات» اللبناني على الأراضي السعودية، وانتقل الدعم للحزب اليميني، إلى السوشل ميديا، اذ كتب خالد عمار تغريدة عبر تويتر، يقول فيها: «انتخابات 2022 مصيرية، كأنّها لعبة أعصاب لي، تذكرني ببطولة نهائيات آسيا لكرة القدم، عندما يكون الهلال طرفاً في النهائي، طبعاً مع الفارق الكبير... كل التوفيق للبنان، لمجد جديد وانتخابات نزيهة بعيدة عن التلاعب والتزوير. وللقوات اللبنانية، المؤسسة الوطنية كامل التوفيق والعلو». هو نفسه الموقع الأزرق الذي تم استخدامه لإجراء استفتاء خارق، في انتخابات 2018، وقد فضح ما يدور في خَلد الأنظمة الخليجية القمعية ضد الجالية اللبنانية، إذ إنّ «كل ما دقّ الكوز بالجرة»، يتوجه إلينا الكاتب السعودي محمد آل الشيخ بالسؤال والإجابة تكون بنعم أو لا: «بعدما صوّت 50% من اللبنانيين على أن يكون لبنان ولاية فارسية وخلع ثوبه العربي، هل تؤيد طردهم من المملكة والإمارات والبحرين؟».