لم يكن موسماً درامياً مميزاً ربما، لكنّ ذلك لا يعني أنه لم يشهد أعمالاً لها قيمتها وأثرها ولونها الخاص. في رمضان 2022، برزت بعض المسلسلات التي تتمتّع بـ «قيمة» تقنية أعلى من غيرها. في المقابل، فشلت أخرى في أن تكون صاحبة تأثير أو لون. في هذا المقال، حاولنا أن نكون عادلين في اختياراتنا، سواء لناحية أفضل وأسوأ عشرة أعمال. لناحية الأسوأ، فضّلنا تسميتها بالمسلسلات التي يصعب مشاهدتها، إذ رأينا أنه بُذل الكثير من الجهد في هذه الأعمال، في حين أنّه كانت هناك مسلسلات فعلاً سيئة لا تستحق المشاهدة. «ظل المطر» أحدها، فهو سيّئ لناحية التمثيل والكتابة التصوير، وكذلك الإخراج، فضلاً عن الفلسفة الزائدة واللغة «الإرشادية» التي اختفت من الدراما منذ زمن. الأمر نفسه ينسحب على «باب الحارة»، ولا ننسَ «والتقينا» ضمن قائمة اللامشاهدة. وهنا ننصح بشدة نوال بري أن تترك «الخبز للخباز» وتعود كمراسلة أو مذيعة. يمكن القول بأنّ مصر استحوذت على الحصة الكاملة من المسلسلات المتميّزة هذا العام. بعد «نسل الأغراب» العام الفائت، عادت بقوّة هذا العام عبر مسلسل رمضاني مهم هو «راجعين يا هوى»، وعمل كوميدي متميز هو «الكبير أوي» بجزئه السادس، ومسلسل درامي وثائقي هو «الإختيار» بجزئه الثالث، ومسلسل وجودي فانتازي هو «جزيرة غمام»، ومسلسل قضية/ اجتماعية هو «فاتن أمل حربي». سورياً، لم تكن السلّة على قدر الأحلام، وإن تميّز مسلسل «مع وقف التنفيذ» (كتابة علي وجيه ويامن حجلي، وإخراج سيف الدين سبيعي) عن سواه، بأن قدّم لغة درامية مميزة، وأداءً قصصياً مختلفاً، لكنه سقط في لحظةٍ ما في السوداوية و war echo effect الدرامي الشهير الذي تعانيه مجتمعات ما بعد الحرب في المعتاد. خطّ حكى عنه مراراً المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي

«راجعين يا هوى»: تحفة بصرية


إنها دراما أسامة أنور عكاشة الجميلة المعتادة. إنها مصر الجميلة الحلوة، حيث الناس يمتلكون صفات سيئة/ حسنة، أناسٌ حقيقيون مع رشةٍ من الواقعية المدهشة، والكوميديا على الطريقة العكاشية التلفزيونية المعتادة. طبعاً لا يمكن نسيان لمسة الماهر محمد سليمان عبدالمالك الذي حوّل هذه التحفة من مسلسلٍ إذاعي إلى دراما تلفزيونية ذات بعد «حديث» وعمل مع المخرج محمد سلامة على إعادة تخليق بليغ أبو الهنا وتسليعه من يحيى الفخراني في المسلسل الإذاعي إلى خالد النبوي في النسخة التلفزيونية. الحكاية غير معقّدة: إنها قصة المهاجر العائد بحثاً عن ثروته ليجد عائلته غارقةً في الصراعات التي تكاد تفتك بهم وبالعائلة. صُوّر المسلسل في مناطق أثرية، ليعيد الألق إلى السياحة المصرية التي تأثرت خلال السنوات الفائتة، فضلاً عن استعمال كاميرات مليئة بالألوان والإضاءة، وهذا ما جعله من أكثر الأعمال جماليةً بصريةً هذه السنة. يضاف إلى كل هذا الأداء الجميل الذي قدّمته كوكبة من المؤدّين القديرين الذي استطاعوا أن يعطوا العمل مصداقيةً كبيرةً بدءاً من أنوشكا وهنا شيحة ونور ووفاء عامر ونور النبوي وأحمد بدير وسلمى أبو ضيف وغيرهم.

«الكبير أوي 6»: حرفة الكوميديا مضروبة بثلاثة


تعاني الدراما العربية حالياً من غياب كوميديا عربية حقيقية. لهذا كان «الكبير أوي» بجزئه السادس (كتابة مصطفى صقر، وإخراج أحمد الجندي) مع ممثل ماهر هو أحمد مكي، بمثابة النسمة الجميلة التي نجحت في التخفيف من قيظ هذه الصحراء المطبقة. ربما، لم يقدّم «الكبير أوي» أي جديد يُذكر في هذا الجزء، لكن هذا لا يعني أنه وقع في فخ التكرار، أو تثقيل دم الكوميديا. بالعكس، استخدم «الكبير أوي» كل ما لديه من نجوم وإمكانات لتقديم كوميديا لا مثيل لها هذه الفترة. استخدَم نوعين مختلفين من الكوميديا: الكوميديا المصرية المعتادة القائمة على الإيفيه، والكوميديا التي تعتمد على الحركة والسلوك وحتى حركات الوجه. مزج بين الاثنين ليخرج بكوميديا خاصة، فضلاً عن الأداء المذهل لمكي في أكثر من شخصية.

«الاختيار: القرار»: دراما موجَّهة


بخلاف الحلقة الأخيرة من المسلسل، نحنُ أمام عملٍ كبير يُحسب للدراما المصرية هذا العام. ببساطة، سيكون هناك الكثير من المقالات والدراسات والتحليلات والحلقات التلفزيونية التي تشتم وتهاجم هذا العمل، خصوصاً المموّلة منها. هذا يؤكد أن العمل كان ناجحاً ومؤثراً، خصوصاً في أوساط تنظيم الإخوان المسلمين، الذين يمتلكون قوة إعلاميةً وتأثيريةً كبيرة مكّنتهم لسنوات من قول قصتهم، لا بل تأكيدها على المشاهدين مراتٍ ومرات. حاول النظام المصري أن يروي قصّته كما يريدها هذه المرّة. تصديقها من عدمه، غير مهم، المهم ببساطة هو أن تكون هناك قصة مختلفة. هل هي القصة الأصدق؟ لا يهم، المهم أنها رويت. أدائياً، نحن أمام جهود كبيرة، طبعاً بخلاف الأسماء الثلاثة الكبيرة: أحمد السقا، أحمد عز، وكريم عبد العزيز، الذين كانوا في أضعف أداءاتهم، وأثقلوا العمل بدلاً من منحه قوة. الجهود الأدائية تُحسب لياسر جلال الذي تقمّص الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي بمهارة كبيرة أعطت العمل مصداقية كبيرة. الأمر نفسه ينسحب على خالد الصاوي بدور خيرت الشاطر رجل الإخوان القوي، وصبري فوّاز الذي كان مُقنعاً بدور الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، وبيومي فؤاد وهشام إسماعيل وهادي الطمباري بأدوار سعد الكتاتني، محمد البلتاجي وأحمد عبد العاطي. قدّم المسلسل رؤية جميلة مزج فيها بين الوثائقي والدرامي بحرفة عالية، وهذا يُحسب للمخرج بيتر ميمي والكاتب هاني سرحان.

ما قبل «فاتن أمل حربي»... ليس كما بعده


مسلسل لم يهتم بأي شيء سوى بالقضية المطروحة أمامه. ضحّى بكل شيء لإيصال قصته وفكرته. وهذا يبرّر سبب هذه الضجّة حوله والنجاح الذي حقّقه. سيُحكى طويلاً عن هذا المسلسل، وستكون هناك إشارات إليه وحوله في معظم الأحاديث حول قضايا المرأة والحرية. فعلياً، ما قبل «فاتن أمل حربي» ليس كما بعده. المسلسل الذي كتبه الصحافي الإشكالي إبراهيم عيسى، وأخرجه محمد جمال العدل، يحكي قصة زوجة يريد زوجها تحويل حياتها إلى جحيم بعد تطليقها. الصراع الذي سرعان ما يمتد إلى المحاكم ويتعداها إلى المحاكم الدينية وصولاً إلى السوشل ميديا ومشايخ «التيك توك»، قدّم صورة حقيقية لآلام النساء في بلادنا مع ممثلة قديرة هي نيللي كريم. لا ترتدي كريم أي ثياب ملوّنة، أو مزركشة، لا تضع مكياجاً صاخباً، لا تهتم بأظْفارها: إنها غارقة في تفاصيل صراعها، في حماية ابنتيها من القانون الذي يظلمها. لا تفكّر إلا في كيفية بقائها «صلبة/ قوية» أمام هذا الموج الجارف. هي تشبه أي أم/سيدة نراها يومياً في حياتنا. قدّم «فاتن أمل حربي» قصّة كل امرأة تواجه هذه الآلة القاسية: ربما لم تنتصر، ولكنها على الأقل صرخت ورفضت أن تكون ضحيةً/ فريسةً سهلة.

«جزيرة غمام»: واقعٌ يصنعه الخيال


العنوان الفرعي للمسلسل (كتابة عبد الرحيم كمال وإخراج حسين المنباوي) هو «واقعٌ يصنعه خيال». وفي مدرسة الكتابة الإبداعية، يأتي هذا المسلسل باعتباره never ending story أو loop كما تُسمّى اصطلاحاً. إننا أمام قصةٍ لا تنتهي أبداً، حكايةٌ ستعاد وتكرر. تبدأ الحكاية عند الشيخ الراقد على فراش الموت الذي يودع تلامذته وصاياه وممتلكاته، وينتهي عند المشهد نفسه في المستقبل القريب. في التوقيت نفسه، يبدأ المسلسل عند حضور «طرح البحر» وقبيلتهم إلى الجزيرة وينتهي عند حضور «طرح بحرٍ» جدد إلى الجزيرة. قصّة لا نهاية لها، كما لا بداية. حكاية الصراع الأبدي بين الخير والشر، لكن ليس بشكله البسيط/ المعتاد. نحن أمام احتلال وصراع ديني ولصوصية ومرتزقة ورجال دينٍ حقيقيين ورجال دينٍ دجّالين. صراع بين «رجال الله» وبين رجال يزيّفون «كلام الله» ويقتلون باسمه لأجل مكاسبهم ومصالحهم. تميز المسلسل بأنه استطاع إخراج أحمد أمين من صيغة «الكوميديان» وإخراج طينة «الممثل» منه. لقد نضج أمين وأصبح ممثلاً يمكنه الأداء بحق: أدّى الممثل المصري بحرفة عالية، فكان صادقاً في معظم لحظات المسلسل، وهذا يُحسب له، خصوصاً أن النص صعب للغاية.

«جوقة عزيزة»: جائزة أسوأ ممثلة!


لا ريب في أن أي عمل يقوم على أبطاله، فكيف إذا كان الدور الأساسي والرئيسي يؤديه ممثل غير مناسب للدور؟ قدّمت الممثلة السورية نسرين طافش أداء أقرب إلى تمثيل الهواة على مسرح المدارس. مثّلت بافتعال وبلغة غير درامية كل الوقت. استهلكت طاقات كل من حولها. لذلك لا ريب بأن طافش تستحق جائزة أسوأ ممثلة هذا العام. تؤدي طافش دور «الراقصة الشرقية» معتمدةً فقط على الـ Overacting وجمالها. وهذا قد يكون مقبولاً في الدقائق العشر الأولى من المسلسل، لكن على مدى ثلاثين حلقة، يشعر المشاهد بأنه أمام تعذيب حقيقي. بالتأكيد لم يشفع للمسلسل وجود «حمدي حمّيها» (أي أشعلها) الذي أدّاه القدير سلوم حدّاد. يحمل حدّاد المسلسل في حلقاتٍ كثيرة على ظهره، لكن النص الذي كتبه خلدون قتلان لم يساعده، خصوصاً مع تقليص مساحة دوره وإعطاء طافش مساحةً أكبر كما لو أنها تحتاج إلى وقت أكثر. جرّبت طافش أن تعيد تخليق شخصية الراقصة كتلك التي قدّمتها بإتقان أمل عرفة في «شارع شيكاغو». لكنها فشلت وكانت السبب في فشل المسلسل ككل.

«المشوار» أنهكنا تشويقاً


إننا أمام مسلسل تركي طويل ضيّع وقت المشاهد بكل ما للكلمة من معنى. لا خلاف بالتأكيد على موهبة محمد رمضان وعلى أدائه للّون الشعبي بمهارة، لكننا هذا العام كنا أمام قصّة تبدأ متسارعة في الحلقات الأولى، ليبدأ بعدها المط والمد والتطويل إلى ما لا نهاية. هذا من جهة ومن جهة ثانية، نجد التسطيح في الشخصيات التي قدّمها الكاتب محمد فريد. لا يعرف المشاهد إن كان أبطال العمل يستحقون التعاطف أم لا. هل هي شخصيات خيرّة؟ مظلومة؟ مجرمة؟ لا أحد يعلم. هذا الخلط يترافق مع تشويق مفتعل، سطحي ومملّ. ويضاف «الفن الشعبي» إلى خلطة المسلسل من خلال حكاية المغني الشعبي وعشيقته اللذين يلجأ إليهما بطل المسلسل وزوجته. هل كانت هناك حاجة إلى تلك الإضافة؟ هل كانت هناك حاجة إلى الأغنيات «التكنو» والمهرجانات؟ هل أضاف ذلك شيئاً إلى الحبكة؟ بالتأكيد كلا. يضاف إلى كل هذا الافتعال والتخبط دور بيومي فؤاد مؤدياً المحامي الفاسد الذي ـ وللمفارقة ـ كلما دخل أحد للقائه، يضع المخرج محمد ياسين «موسيقى» تصويرية خاصة لذلك.

«ناطحة سحاب»: كان صرحاً وهوى


وعد المسلسل الكويتي بالكثير، لكنه سرعان ما فقد الزخم خلال النصف الثاني من رمضان. قدّم المسلسل حكايةً واعدةً في البداية من خلال شخصية «قاعدية» هي عامرة التي أدتها بمهارة سعاد عبدالله. وللحق، فقد حملت عبدالله المسلسل بأكمله، لكنّها سرعان ما وهنت.
جاءت إضافة شخصية «عنان» (فخرية خميس)، بالكثير من المشاكل للمسلسل، وتسبّبت في صعوبة مشاهدته، سواء لجهة كتابة الشخصية ونواحيها، فضلاً عن تمثيل خميس غير المحترف. حاول المسلسل تقديم شخصية امراة مكافحة وناجحة وقادرة على الوقوف على قدميها، وتكون داعمة لنفسها ولغيرها، لكن كثرة الأثقال والإنهاك في المسلسل الذي كتبته نوف المضف وأخرجه عيسى ذياب، جعلاه متعباً
للمشاهدة.

«العائدون»: كأنّه لم يكن


على الرغم من أنه ضمّ نجوماً أمثال أمير كرارة، أمينة خليل، أحمد الأحمد ومحمد فرّاج، إلا أن المسلسل الذي كتبه باهر دويدار وأخرجه أحمد نادر جلال، فشل في أن يكون فرس سباقٍ رابحاً. القصة متكررة شاهد المتابعون مثلها العام الفائت مع «الإختيار» بجزئه الثاني، أو قبله مع «الزيبق» (2017 ــ إخراج وكتابة وائل عبدالله) مع كريم عبد العزيز. لم يكن في المسلسل سوى كليشيهات معادة مع حرب مفترضة مع «داعش». لم يتم تقديم داعش كما يجب، وأغلب المشاهد تدور في غرف مغلقة، ما خلا مشهد إعدام محمد فراج الذي استُنسخ من إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة. بدا نجوم العمل تائهين: أمينة خليل لم تغيّر ثيابها في غالبية حلقات المسلسل، ولا ملامحها، ولا نبرة صوتها. الأمر نفسه ينسحب على معظم المشاركين في العمل. باختصار، هو عمل للنسيان، كما لو أنه لم يكن.