كما امتدح سعد الحريري إعلامياً، غداة إعلانه الإستقالة بعد تظاهرات «17 تشرين»، يتكرر المشهد اليوم مع قرار عزوفه عن الترشح للإنتخابات والإنسحاب من الحياة السياسية بمعية تياره. لم يحتل الحريري يوماً المشهد الإعلامي المحلي بوصفه أحد أركان المنظومة الحاكمة، أو تلك التي حملت إرث الحريرية السياسية منذ التسعينيات. في 17 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2019، خرج شعار «كلن يعني كلن» الذي تبنته الشاشات في ما بعد، وعملت على تنفيذه انتقائياً بين أحزاب السلطة، مستبعدة تيارات سياسية معروفة، خدمة لأجندتها السياسية. وبعد استقالة الحريري وقتها، اغدق الرجل بوابل من المديح إعلامياً، حتى إن «الجديد» ذكرت أول من امس، بأنه «استمع الى أنين الناس» واستجاب لهم في قرار استقالته من الحكومة. وأمس، بعد قرار تعليق الحريري عمله السياسي، عاد المشهد عينه ليتكرر، مترافقاً مع سياق دعائي له ولتياره السياسي الذي ورثه عن والده عام 2005. هكذا، خرجت على الشاشات عبارات «الإعتدال» و«العروبة»، وعزله بالتالي عن الطبقة السياسية الحاكمة. إذ كان لافتاً أمس، في مقدمة نشرة أخبار «الجديد»، قولها بأن تيار «المستقبل» قادر على «احداث التغيير وعزل طبقات سياسية صدئة» ما إذا قرر خوض الإنتخابات، وأن قرار الحريري «دعم قوى مدنية»، وأتاح «لدم جديد فرصة الدخول الى الحياة السياسية». وعلى mtv، كان الحريري حسب المحطة «يختزن الكاريزما الشخصية»، ويتمتع بالود وبروح شبابية، وبالتواضع وبالإعتراف باخطائه. وأشارت إلى أنّه بوصفه نجلاً لرفيق الحريري، يصبح «صاحب سلطة ونفوذ ومال لسنوات طويلة في لبنان»، كما أنّه نجح مرة جديدة في «أسر قلوب اللبنانيين، وعرف كيف ينسحب من المعترك السياسي المليء بالصغار باسلوب الكبار الكبار». هذه المشهدية الإعلامية المدعومة بتكريس صورة براقة للحريري، لم تختلف عما شهدناه بعيد اغتيال والده، إذ تغّيرت المقاربة الإعلامية تجاه الأب من «صاحب مشروع اقتصادي وسياسي مخرّب للبنان» إلى تثبيت صورة لمّاعة بعيد عملية الإغتيال، أسقطت بدورها اي جدل أو نقاش حول سياساته المالية والإقتصادية للبلاد. مرة جديدة، يلعب الإعلام المحلي دور المضلّل، ويثبت بدوره مدى التصاقه بالنظام القائم، بخلاف ما يروّج من مقارعة له، واستبداله بوجوه «مدنية جديدة». باختصار، حصل الحريري بعد قرار الإعتزال على مساحة وافرة أمّنت له دعماً معنوياً كبيراً، في انتظار عودته الى الساحة السياسية كما تأمل «الجديد». فقد كان لافتاً أمس، تأكيد مراسلتها من «بيت الوسط» نانسي السبع على عودة الحريري الى الحياة السياسية، بعد بضع سنوات من التعليق، ولم تألُ المحطة جهداً في تثبيت تمسكها بهذا الكلام، عندما استعانت بفيديو للمنجمة ليلى عبد اللطيف ليلة رأس السنة، حيث قالت إنّ الحريري بعد اعتزاله سيعود «أقوى على الساحة السنية».